فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العصر

هي ثلاث آيات وهي مكية عند الجمهور . وقال قتادة : هي مدنية . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة العصر بمكة . وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي مزينة الدارمي ، وكانت له صحبة قال : كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر .

أقسم سبحانه بالعصر وهو الدهر ، لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء ، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عزّ وجلّ وعلى توحيده ، ويقال لليل عصر وللنهار عصر ، ومنه قول حميد بن ثور :

ولم ينته العصران يوم وليلة *** إذا طلبا أن يدركا ما تمنيا

ويقال للغداة والعشيّ عصران ، ومنه قول الشاعر :

وأمطله العصرين حتى يملني *** ويرضى بنصف الدين والأنف راغم

وقال قتادة والحسن : المراد به في الآية العشيّ ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ، ومنه قول الشاعر :

يروح بنا عمرو وقد قصر العصر *** وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر

وروي عن قتادة أيضاً أنه آخر ساعة من ساعات النهار . وقال مقاتل : إن المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها ، وقيل : هو قسماً بعصر النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال الزجاج : قال بعضهم : معناه ورب العصر . والأوّل أولى .

/خ3