فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العصر

هي ثلاث آيات ، وهي مكية عند الجمهور . وقال قتادة : هي مدينة ، قال ابن عباس : نزلت بمكة . عن أبي مزينة الدارمي- وكانت له صحبة- قال : كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ، ثم يسلم أحدهما على الآخر " أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والعصر } أقسم سبحانه بالعصر ، وهو الدهر ، لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء ، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده ، ويقال لليل : عصر ، وللنهار : عصر ، ويقال للغداة والعشي : عصران .

قال الرازي : أقسم تعالى بالدهر لما فيه من الأعاجيب ؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء والصحة والسقم والغنى والفقر ، ولأن بقية عمر المرء لا قيمة له ، فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني ثم ثبتت السعادة في اللمحة الأخيرة من العصر بقيت في الجنة أبد الآباد ، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة ، فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم ، ولأن الزمان أشرف من المكان ، فأقسم به لكونه نعمة خالصة لا غيب فيه .

وقال قتادة والحسن : المراد به في الآية العشي ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها . وعن قتادة أيضا أنه آخر ساعة من ساعات النهار ، وقال مقاتل : إن المراد به صلاة العصر ، وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها ، وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث الزبير بن العوام .

وقيل : هو قسم{[1739]} بعصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الزجاج : قال بعضهم : معناه ورب العصر ، والأول أولى ، وبه قال ابن عباس ، وعنه هو ساعة من ساعات النهار ، وقال أيضا : هو ما قبل مغيب الشمس من العشي .

وأخرج الفريابي وأبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن علي بن أبي طالب " أنه كان يقرأ العصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر " / وعن ابن مسعود أيضا أنه كان يقرأ " إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر " ، أخرجه عبد بن حميد .


[1739]:قال الرازي أقسم سبحانه يمكانه صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا أقسم بهذا البلد} وأقسم بعمره في قوله: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وبعصره هنا فكأنه قال وعصرك وبلدك وعمرك فأقسم بهذه الظروف الثلاثة فإذا وجب تعظيم الظرف فحال المظروف من باب أولى انتهى.