( سورة العصر وهي مكية ، وقال المعدل وقتادة : مدنية . حروفها ثمانية وستون ، كلمها أربع عشرة ، آياتها ثلاث ) .
التفسير : لما بين في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم ، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات ، وهو حظ الآدمي من جهة الكمال ، ومن التواصي بالخيرات ، وكف النفس عن المناهي ، وهو حظه من حيث الإكمال ، وأكد ما أراد بقوله : { والعصر } ، وللمفسرين فيه أقوال : الأول أنه الدهر لوجوه : منها ما جاء في القراءة الشاذة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " والعصر ونوائب الدهر " ، وحمله العلماء -إن صح -على التفسير لا على أنه من القرآن ، لهذا لا يجوز قراءته في الصلاة . ومنها أن الدهر يشتمل على الأعاجيب الدالة على كمال قدرة خالقها من تغاير الملل والدول وسائر الأحوال الكلية والجزئية ؛ بل نفس الدهر من أعجب الأشياء ؛ لأنه موجود يشبه المعدوم ، ومتحرك يضاهي الساكن .
وأرى الزمان سفينة تجري بنا *** نحو المنون ولا ترى حركاته
ومنها أن عمر الإنسان كبعض منه ، قال :
إذا ما مر يوم مر بعضي *** ولا شيء أنفس من العمر
وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيف المكاره والنوائب إليه ، ويحيل شقاءه وخسرانه عليه ، فإقسام الله تعالى به دليل على شرفه ، وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " . القول الثاني : وهو قول مقاتل وأبي مسلم : إن العصر هو آخر النهار ، أقسم الله به كما أقسم بالفجر والضحى ؛ لأن آخر النهار يشبه تخريب العالم وإماتة الأحياء ، كما أن أول النهار يشبه بعث الأموات وعمارة العالم ، فعند ذلك إقامة الأسواق ونصب الموازين ووضع المعاملات ، وفيه إشارة إلى أن عمر الدنيا ما بقي إلا بقدر ما بين العصر إلى المغرب ، فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها ، فإن الوقت قد ضاق ، وقد لا يمكن تدارك ما فات . وقال قتادة : إنه صلاة العصر لشرفها وفضلها ، ولهذا فسر بها الصلاة الوسطى عند كثير ، وقد مر في " البقرة " . وقيل : أقسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بزمانه الذي هو عصر نهار الدنيا ، كما جاء في حديث طويل ، وقد أقسم بمكانه في قوله { لا أقسم بهذا البلد } [ البلد :1 ] وبحياته في قوله { لعمرك } [ الحجر :72 ] ، وكل ذلك تشريف له وتوبيخ لمن لم يوقره حق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.