غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة العصر وهي مكية ، وقال المعدل وقتادة : مدنية . حروفها ثمانية وستون ، كلمها أربع عشرة ، آياتها ثلاث ) .

التفسير : لما بين في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم ، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات ، وهو حظ الآدمي من جهة الكمال ، ومن التواصي بالخيرات ، وكف النفس عن المناهي ، وهو حظه من حيث الإكمال ، وأكد ما أراد بقوله : { والعصر } ، وللمفسرين فيه أقوال : الأول أنه الدهر لوجوه : منها ما جاء في القراءة الشاذة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ " والعصر ونوائب الدهر " ، وحمله العلماء -إن صح -على التفسير لا على أنه من القرآن ، لهذا لا يجوز قراءته في الصلاة . ومنها أن الدهر يشتمل على الأعاجيب الدالة على كمال قدرة خالقها من تغاير الملل والدول وسائر الأحوال الكلية والجزئية ؛ بل نفس الدهر من أعجب الأشياء ؛ لأنه موجود يشبه المعدوم ، ومتحرك يضاهي الساكن .

وأرى الزمان سفينة تجري بنا *** نحو المنون ولا ترى حركاته

ومنها أن عمر الإنسان كبعض منه ، قال :

إذا ما مر يوم مر بعضي *** ولا شيء أنفس من العمر

وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيف المكاره والنوائب إليه ، ويحيل شقاءه وخسرانه عليه ، فإقسام الله تعالى به دليل على شرفه ، وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " . القول الثاني : وهو قول مقاتل وأبي مسلم : إن العصر هو آخر النهار ، أقسم الله به كما أقسم بالفجر والضحى ؛ لأن آخر النهار يشبه تخريب العالم وإماتة الأحياء ، كما أن أول النهار يشبه بعث الأموات وعمارة العالم ، فعند ذلك إقامة الأسواق ونصب الموازين ووضع المعاملات ، وفيه إشارة إلى أن عمر الدنيا ما بقي إلا بقدر ما بين العصر إلى المغرب ، فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها ، فإن الوقت قد ضاق ، وقد لا يمكن تدارك ما فات . وقال قتادة : إنه صلاة العصر لشرفها وفضلها ، ولهذا فسر بها الصلاة الوسطى عند كثير ، وقد مر في " البقرة " . وقيل : أقسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بزمانه الذي هو عصر نهار الدنيا ، كما جاء في حديث طويل ، وقد أقسم بمكانه في قوله { لا أقسم بهذا البلد } [ البلد :1 ] وبحياته في قوله { لعمرك } [ الحجر :72 ] ، وكل ذلك تشريف له وتوبيخ لمن لم يوقره حق .

/خ3