اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

قوله تعالى : { والعصر } . قرأ العامة : بسكون الصاد ، وسلام : «والعَصِر » بكسرها ، و«الصَّبْرِ » بكسر الباء .

قال ابن عطية{[60797]} : «وهذا لا يجوز ، إلا في الوقف على نقل الحركة » .

وروي{[60798]} عن أبي عمرو : «بالصبْر » بسكون الباء إشماماً ، وهذا أيضاً لا يجوز إلا في الوقف ، انتهى .

ونقل هذه القراءة جماعة كالهذلي ، وأبي الفضل الرازي ، وابن خالويه .

قال الهذلي : «والعصر ، والصبر ، والفجر ، والوتر ، بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها : هارون ، وابن موسى عن أبي عمرو ، والباقون : بالإسكان ، كالجماعة » انتهى .

فهذا إطلاق منه لهذه القراءة في حالتي الوقف والوصل .

قال ابن خالويه : «وتواصوا بالصبر » بنقل الحركة عن أبي عمرو .

قال ابن خالويه : [ وقال صاحب «اللوامح » : وعيسى البصرة : ] {[60799]} «بالصبر » بنقل حركة الراء إلى الباء ، لئلا يحتاج أن يأتي ببعض الحركة في الوقف ، ولا إلى أن يسكن ، فيجمع بين ساكنين ، وذلك لغة شائعة ، وليست بشاذة ؛ بل مستفيضة ، وذلك دلالة على الإعراب ، وانفصال عن التقاء الساكنين ، وتأدية حق الموقوف عليه من السكون . انتهى . فهذا يؤذن بما ذكر ابن عطية ، أنه كان ينبغي ذلك . وأنشدوا على ذلك : [ الرجز ]

5296- *** واعْتقَالاً بالرِّجِلْ{[60800]} ***

يريد : بالرِّجْلِ .

وقال آخر : [ الرجز ]

5297- أنَا جَريرٌ كُنيَتِي أبُو عَمِرْ *** أضْرِبُ بالسَّيْفِ وسعْدٌ بالقَصِرْ{[60801]}

والنقل جائز في الضم كقوله شعر :

*** إذ جد النَّقُرْ{[60802]} ***

وله شروط : «والعقد » الليلة واليوم قال : [ الطويل ]

5298- ولَنْ يَلْبثِ العقْدانِ : يَومٌ ولَيْلةٌ *** إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكَا تَيَمَّمَا{[60803]}

قال ابن عباس وغيره : «والعصر » أي : الدهر ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

5299- سَيْلُ الهَوَى وعْرٌ وبَحْرُ الهَوَى غَمْرٌ *** ويَوْمُ الهَوَى شَهْرٌ وشَهْرُ الهَوَى دَهْرُ{[60804]}

أقسم الله - تعالى - بالعصرِ لما فيه من الاعتبار للناظر بتصرف الأحوال وبتبدلها ، وما فيها من الأدلة على الصانع ، والعصران أيضاً الغداة والعشي ، قال : [ الطويل ]

5300- وأمْطُلُهُ العَصْرَيْن حتَّى يَملَّنِي*** ويَرْضَى بنِصْفِ الدِّيْن والأنْفُ رَاغِمُ{[60805]}

يقول : إذا جاءني أول النهار وعدته آخره .

وقيل : إنه العشي ، وهو ما بين الزوال والغروب . قاله الحسن وقتادة .

[ وقال الشاعر ] :

5301- تَروَّحْ بِنَا يا عَمْرُو قَدْ قَصُرَ العَصرُ *** وفي الرَّوحةِ الأولَى الغَنِيمةُ والأَجْرُ{[60806]}

وعن قتادة : هو آخر ساعة من النهار ، فأقسم سبحانه بأحد طرفي النهار كما أقسم بالضحى ، وهو أحد طرفي النَّهارِ{[60807]} ، قاله أبو مسلم .

وقيل : هو قسم بصلاة العصر ، وهي الوسطى ؛ لأنها أفضل الصلوات ، قاله مقاتل .

قال صلى الله عليه وسلم : «الصَّلاةُ الوُسْطَى ، صلاةُ العَصْرِ »{[60808]} .

وقيل : أقسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم لفضله بتجديد النبوة فيه .

وقيل : معناه وربِّ العصر .

فصل

قال مالك رضي الله عنه : من حلف ألاَّ يكلم رجلاً عصراً ، لم يكلمه سنة .

قال ابن العربي : [ إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرءاً عصراً على السنة ؛ لأنه أكثر ما قيل فيه ، وذلك على أصله في تغليظ ]{[60809]} المعنى في الأيمان .

وقال الشافعي : يبر بساعة ، إلا أن تكون له نيّة ، وبه أقول ، إلا أن يكون الحالف عربياً ، فيقال له : ما أردت ؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه إلا أن يكون الأقل ، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر .


[60797]:ينظر: البحر المحيط 8/507، والدر المصون 6/567.
[60798]:المحرر الوجيز 5/520.
[60799]:تمام الرجز: علمنا إخواننا بنو عجل *** شرب النبيذ واصطفافا بالرجل ينظر الأشباه والنظائر 3/73، والإنصاف 2/734، والخصائص 2/335، وشرح الأشموني 3/784، والخصائص 2/335، وشرح الأشموني 3/784، وشرح شواهد الإيضاح ص 261، واللسان (مسك)، و(عجل)، والمقاصد النحوية 4/867، ونوادر أبي زيد ص 30.
[60800]:سقط من: أ.
[60801]:تمام الرجز: علمنا إخواننا بنو عجل *** شرب النبيذ واصطفافا بالرجل ينظر الأشباه والنظائر 3/73، والإنصاف 2/734، والخصائص 2/335، وشرح الأشموني 3/784، والخصائص 2/335، وشرح الأشموني 3/784، وشرح شواهد الإيضاح ص 261، واللسان (مسك)، و(عجل)، والمقاصد النحوية 4/867، ونوادر أبي زيد ص 30.
[60802]:ينظر الإنصاف 2/733، والبحر 8/508، والدر المصون 6/567.
[60803]:البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص 8، وإصلاح المنطق ص 394، ولسان العرب 4/576 (عصر)، والقرطبي 20/122، وشرح عمدة الحافظ ص 581. والشاهد فيه قوله: "ولن يلبث القصران يوم وليلة" حيث أبدل النكرة من المعرفة مع اختلاف اللفظين.
[60804]:ينظر القرطبي 20/122.
[60805]:ينظر اللسان (عصر) والقرطبي 20/122.
[60806]:ينظر اللسان (عصر) ، والقرطبي 20/122.
[60807]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/684)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/667)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60808]:تقدم تخريجه في سورة البقرة.
[60809]:سقط من: ب.