تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ق وهي مكية

{ 1-4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }

يقسم تعالى بالقرآن المجيد أي : وسيع المعاني عظيمها ، كثير الوجوه كثير البركات ، جزيل المبرات . والمجد : سعة الأوصاف وعظمتها ، وأحق كلام يوصف بهذا ، هذا القرآن ، الذي قد احتوى على علوم الأولين والآخرين ، الذي حوى من الفصاحة أكملها ، ومن الألفاظ أجزلها ، ومن المعاني أعمها وأحسنها ، وهذا موجب لكمال اتباعه ، و [ سرعة ] الانقياد له ، وشكر الله على المنة به .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوَاْ أَن جَآءَهُمْ مّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هََذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } .

اختلف أهل التأويل في قوله : ق ، فقال بعضهم : هو اسم من أسماء الله تعالى أُقسم به ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس في قوله : ق و ن وأشباه هذا ، فإنه قسم أقسمه الله ، وهو اسم من أسماء الله .

وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله ق قال : اسم من أسماء القرآن .

وقال آخرون : ق اسم الجبل المحيط بالأرض ، وقد تقدّم بياننا في تأويل حروف المعجم التي في أوائل سور القرآن بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : وَالقُرآنِ المَجِيدِ يقول : والقرآن الكريم . كما :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَير ق والقرآن المَجِيدِ قال : الكريم .

واختلف أهل العربية في موضع جواب هذا القسم ، فقال بعض نحوّيي البصرة ق والقُرآنِ المَجِيدِ قسم على قوله : قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وقال بعض نحوّيي أهل الكوفة : فيها المعنى الذي أقسم به ، وقال : ذكر أنها قضى والله ، وقال : يقال : إن قاف جبل محيط بالأرض ، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع : أي هو قاف والله قال : وكان ينبغي لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء قال : ولعلّ القاف وحدها ذكرت من اسمه ، كما قال الشاعر :

*** قُلْت لهَا قِفِي لَنَا قالَتْ قافْ ***

ذُكرت القاف إرادة القاف من الوقف : أي إني واقفة .

وهذا القول الثاني عندنا أولى القولين بالصواب ، لأنه لا يعرف في أجوبة الإيمان قد ، وإنما تجاب الأيمان إذا أجيبت بأحد الحروف الأربعة : اللام ، وإن ، وما ، ولا ، أو بترك جوابها فيكون ساقطا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡمَجِيدِ} (1)

مقدمة السورة:

( 50 )سورة ق مكية

وآياتها خمس وأربعون

هي مكية بإجماع من المتأولين{[1]} ، وروى أبيّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من قرأ سورة ق هوّن الله عليه الموت وسكراته ){[2]}

قال ابن عباس : { ق } اسم من أسماء القرآن . وقال أيضاً اسم من أسماء الله تعالى . وقال قتادة والشعبي : هو اسم السورة ، وقال يزيد وعكرمة ومجاهد والضحاك : هم اسم الجبل المحيط بالدنيا ، وهو فيما يزعمون من زمردة خضراء ، منها خضرة السماء وخضرة البحر . و { المجيد } الكريم في أوصافه الذي جمع كل معلوة .

و : { ق } على هذه الأقوال : مقسم به وب { القرآن المجيد } ، وجواب القسم منتظر . واختلف الناس فيه ، فقال ابن كيسان جوابه : { ما يلفظ من قول }{[10505]} [ ق : 18 ] ، وقيل الجواب : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب }{[10506]} [ ق : 37 ] وقال الزهراوي عن سعيد الأخفش الجواب : { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم } وضعفه النحاس{[10507]} ، وقال الكوفيون من النحاة الجواب : { بل عجبوا } ، والمعنى : لقد عجبوا . قال منذر بن سعيد : إن جواب القسم في قوله : { ما يبدل القول لدي }{[10508]} [ ق : 29 ] ، وفي هذه الأقوال تكلف وتحكم على اللسان .

وقال الزجاج والمبرد والأخفش : الجواب مقدر تقديره : { ق } ، { والقرآن المجيد } لتبعثن ، وهذا قول حسن وأحسن منه : أن يكون الجواب الذي يقع عنه الإضراب ب { بل } ، كأنه قال . { ق والقرآن المجيد } ما ردوا أمرك بحجة ، أو ما كذبوك ببرهان ، ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدر الزجاج ، لأنك إذا قلت الجواب : لتبعثن فلا بد بعد ذلك أن يقدر خبر عنه يقع الإضراب ، وهذا الذي جعلناه جواباً وجاء المقدر أخصر . وقال جماعة من المفسرين في قوله : { ق } إنه حرف دال على الكلمة ، على نحو قول الشاعر : [ الرجز ]

قلت لها قفي فقالت قاف . . . {[10509]}

واختلفوا بعد ، فقال القرطبي : هو دال على أسماء الله تعالى هي : قادر ، وقاهر ، وقريب ، وقاض ، وقابض ، وقيل المعنى : قضي الأمر من رسالتك ونحوه ، { والقرآن المجيد } ، فجواب القسم في الكلام الذي يدل عليه قاف . وقال قوم المعنى : قف عند أمرنا . وقيل المعنى : قهر هؤلاء الكفرة ، وهذا أيضاً وقع عليه القسم ويحتمل أن يكون المعنى : قيامهم من القبور حق ، { والقرآن المجيد } ، فيكون أول السورة من المعنى الذي اطرد بعد ، وعلى هذه الأقوال فثم كلام مضمر عنه وقع الإضراب ، كأنه قال : ما كذبوك ببرهان ، ونحو هذا مما يليق مظهراً .

وقرأ جمهور من القراء { ق } بسكون الفاء . قال أبو حاتم : ولا يجوز غيرها إلا جواز سوء .

قال القاضي أبو محمد : وهذه القراءة تحسن مع أن يكون { ق } حرفاً دالاً على كلمة . وقرأ الثقفي وعيسى : قاف بفتح الفاء ، وهذه تحسن مع القول بأنها اسم للقرآن أو لله تعالى ، وكذلك قرأ الحسن وابن أبي إسحاق بكسر الفاء ، وهي التي في رتبة التي قبلها في أن الحركة للالتقاء وفي أنها اسم للقرآن .

و { المجيد } الكريم الأوصاف الكثير الخير{[10510]} .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[10505]:من الآية (18) من السورة.
[10506]:من الآية(37) من السورة.
[10507]:قالوا: لأنه لا يعرف في أجوبة الأيمان قد، وإنما تُجاب الأيمان إذا أُجيبت بأحد الحروف الأربعة"اللام، وإن، وما، ولا"، أو بترك جوابها فيكون ساقطا.
[10508]:من الآية(29) من السورة.
[10509]:هذا صدر بيت للوليد بن عقبة بن أبي مُعيط، كان أخا لعثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه، وقد تولى الكوفة فاتُّهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج في جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال: قلت لها: قفي، فقالت: قاف لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف والنشوات من مُعتق صاف وعزف قينات علينا عزاف والإيجاف: العدو، وهو أيضا الحمل عليه، وانظر الخصائص لابن جني، والأغاني5-131، وشواهد الشافية، والمحتسب في وجوه شواذ القراءات لابن جني، ومعاني القرآن للفراء، واللسان والتاج-مادة وقف-، والشعر في اللسان غير منسوب، قال:"إنما أراد:(قد وقفت) فاكتفى بذكر القاف، قال ابن جني: ولو نقل هذا الشاعر إلينا شيئا من جملة الحال فقال-مع قوله قالت قاف-: وأمسكت زمام بعيرها أو عاجته علينا، لكان أبين لما كانوا عليه وأدل على أنها أرادت: قفي لنا قفي لنا، أي: تقول لي: قفي لنا متعجبة منه، وهو إذا شاهدها وقد وقفت علم أن قولها(قاف) إجابة له لا رد لقوله وتعجب منه". قال ابن كثير في تفسيره:"وفي هذا التفسير نظر، لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل عليه دليل، ومن أين يُفهم هذا من ذكر هذا الحرف؟"، كذلك قال ابن جني تعليقا على كلام الفراء واستشهاده بهذا الشعر:"وفي هذا ضعف، ألا ترى إلى الفتح والكسر فيه؟" يعني أنه لو كان حرفا من كلمة لما جاءت فيه القراءة بفتح الفاء وبكسرها.
[10510]:قال ابن جني:"يحتمل (قاف) بالفتح أمرين: أحدهما أن تكون حركته لالتقاء الساكنين، كما أن من يقرأ بالكسر كذلك، غير أن من فتح أتبع الفتحة صوت الألف لأنها منها، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين، والآخر أن (قاف) منصوبة الموضع بفعل مضمر، ولم تُصرف لاجتماع التعريف والتأنيث في معنى السورة".