تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

{ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ } أي : بيننا وبين القوم الكافرين ، فاستجاب الله هذا الدعاء ، وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة ، بما عاقب الله به الكافرين من وقعة " بدر " وغيرها .

{ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي : نسأل ربنا الرحمن ، ونستعين به على ما تصفون ، من قولكم سنظهر عليكم ، وسيضمحل دينكم ، فنحن في هذا ، لا نعجب بأنفسنا ، ولا نتكل على حولنا وقوتنا ، وإنما نستعين بالرحمن ، الذي ناصية كل مخلوق بيده ، ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته ، وقد فعل ، ولله الحمد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ احْكُم بِالْحَقّ وَرَبّنَا الرّحْمََنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد : يا ربّ افصل بيني وبين من كذّبني من مشركي قومي وكفر بك وعبد غيرك ، بإحلال عذابك ونقمتك بهم وذلك هو الحقّ الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأل ربه الحكم به ، وهو نظير قوله جلّ ثناؤه : رَبّنا افْتَحْ بَيْنَنَا وبَينَ قَوْمِنا بالحَقّ وأنْتَ خَيْرُ الفاتِحين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : قالَ رَبّ احْكُمْ بالحَقّ قال : لا يحكم بالحقّ إلا الله ، ولكن إنما استعجل بذلك في الدنيا ، يسأل ربه على قومه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا شهد قتالاً قال : «رَبّ احْكُمْ بالحَقّ » .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : قُلْ رَبّ احْكُمْ بكسر الباء ، ووصل الألف ألف «احكم » ، على وجه الدعاء والمسألة ، سوى أبي جعفر ، فإنه ضمّ الباء من «الربّ » ، على وجه نداء المفرد ، وغير الضحاك بن مزاحم ، فإنه رُوي عنه أنه كان يقرأ ذلك : «رَبّي أحْكَمُ » على وجه الخبر بأن الله أحكَمُ بالحقّ من كلّ حاكم ، فيثبت الياء في «الربّ » ، ويهمز الألف من «أحْكَمُ » ، ويرفع «أَحْكُم » ، على أنه للربّ تبارك وتعالى .

والصواب من القراءة عندنا في ذلك : وصل الباء من الربّ وكسرها ب «احْكُمْ » ، وترك قطع الألف من «احْكُمْ » ، على ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحُجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما الضحاك فإن في القراءة التي ذُكرت عنه زيادة عنه زيادة حرف على خطّ المصاحف ، ولا ينبغي أن يزاد ذلك فيها ، مع صحة معنى القراءة بترك زيادته . وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : رَبّ احْكُمْ بالحَقّ قل : ربّ احكم بحكمك الحقّ ، ثم حذف الحكم الذي الحقّ نعت له وأقيم الحقّ مقامه . ولذلك وجه ، غير أن الذي قلناه أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل ، فلذلك اخترناه .

وقوله : وَرَبّنا الرّحْمَنُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ يقول جلّ ثناؤه : وقل يا محمد : وربنا الذي يرحم عباده ويعُمهم بنعمته ، الذي أستعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم لي فيما أتيتكم به من عند الله إنْ هَذَا إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفَتَأْتُونَ السّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ ، وقولكم : بَلِ افْتَرَاه بَلْ هُوَ شاعِرٌ ، وفي كذبكم على الله جلّ ثناؤه وقيلكم : اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدا فإنه هين عليه تغيير ذلك وفصل ما بيني وبينكم بتعجيل العقوبة لكم على ما تصفون من ذلك .

آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

ثم أمره تعالى أن يقول على جهة الدعاء { رب احكم بالحق } والدعاء هنا بهذا فيه توعد ، أي إن الحق إنما هو في نصرتي عليكم ، وأمر الله تعالى بهذا الدعاء دليل على الإجابة والعدة بها ، وقرأت فقر «رب احكم » وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «ربُّ » بالرفع على المنادى المفرد وقرأت فرقة «ربي أحْكَمُ » على وزن أفعل وذلك على الابتداء والخبر ، وقرأت فرقة «ربي أحْكَمُ » على وزن أنه فعل ماض ، ومعاني هذه القراءات بينة ، ثم توكل في آخر الآية واستعان بالله تعالى ، وقرأ جمهور القراء «قل رب » وقرأ عاصم فيما روي عنه «قال رب » وقرأ ابن عامر وحده «يصفون » بالياء ، وقرأ الباقون والناس «تصفون » بالتاء من فوق على المخاطبة .