السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

ولما كان لله أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل ، وكان من العدل جواز تعذيب الله تعالى الطائع وتنعيم المؤمن العاصي ، وكان صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية في البيان لهم ، وهم قد بلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه أمر الله تعالى أن يفوّض الأمر إليه تسلية له بقوله تعالى : { قل رب } أيها المحسن إليّ { احكم } أي : أنجز الحكم بيني وبين قومي { بالحق } أي : بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان ، وقرأ حفص بفتح القاف وألف بعدها ، وفتح اللام بصيغة الماضي على حكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقون بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر فإن قيل : كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم بالحق والله تعالى لا يحكم إلا بالحق ؟ أجيب : بأن الحق هاهنا بمعنى العذاب ، فكأنه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر ، نظيره قوله : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } [ الأعراف ، 89 ] ، وقال أهل المعاني : معناه رب احكم بحكمك الحق فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه ، والله تعالى يحكم بالحق طلب أم لم يطلب ، ومعنى الطلب ظهور الرغبة من الطالب في حكمه الحق { وربنا } أي : المحسن إلينا أجمعين { الرحمن } أي : العام الرحمة لنا ولكم بإدرارها علينا ، ولولا عموم رحمته لأهلكنا أجمعين ، وإن كنا نحن أطعناه لأنّا لا نقدره حقّ قدره ، { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } [ فاطر ، 45 ] { المستعان } أي : المطلوب منه العون { على ما تصفون } من كذبكم على الله تعالى في قولكم : اتخذ الله ولداً ، وعليّ في قولكم ساحر ، وعلى القرآن في قولكم شعر قال الرازي : روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في حروبه ، ولم يذكر له سنداً ، وأما ما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ اقترب حاسبه الله حساباً يسيراً ، وصافحه وسلم عليه كل نبيّ ذكر اسمه في القرآن » ، فحديث موضوع والله تعالى أعلم بالصواب .