نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (112)

ولما كان اللازم من هذه الآيات تجويز أمور تهم سامعها وتقلقه للعلم بأن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل ، وكان من العدل جواز تعذيب الطائع وتنعيم العاصي{[52116]} ، كان كأنه قيل : فما قال الرسول الشفوق على الأمة حين{[52117]} سمع هذا الخطاب ؟ فقيل : {[52118]}قال مبتهلاً إلى الله تعالى - هذا على قراءة حفص . وعلى قراءة الجمهور : لما علم{[52119]} سبحانه أن ذلك مقلق{[52120]} ، أمره صلى الله عليه وسلم بما{[52121]} يرجى من{[52122]} يقلق{[52123]} من أتباعه فقال : { قل رب } أي ايها{[52124]} المحسن إلي في نفسي واتباعي بامتثال أوامرك واجتناب نواهيك { احكم } أي أنجز الحكم {[52125]}بيني وبين هؤلاء المخالفين{[52126]} { بالحق } أي بالأمر الذي يحق لكل منا من نصر وخذلان على ما أجريته من سنتك القديمة في أوليائك وأعدائك{ ما ننزل الملائكة إلا بالحق }[ الحجر : 8 ] أي الأمر الفصل الناجز ، قال ابن كثير{[52127]} : وعن مالك عن زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالاً{[52128]} قال { رب احكم بالحق } . وفي الآية أعظم حث على لزوم الإنسان بالحق ليتأهل لهذه الدعوة{[52129]} .

ولما كان التقدير : فربنا المنتقم الجبار له أن يفعل ما يشاء وهو قادر على ما توعدون ، عطف عليه قوله{[52130]} : { وربنا } أي المحسن إلينا أجمعين ؛ ثم وصفه بقوله : { الرحمن } أي العام الرحمة لنا ولكم بإدرار النعم علينا ، ولولا عموم رحمته لأهلكنا أجمعين وإن كنا نحن أطعناه ، لأنا لا نقدره حق قدره { لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } والحاصل أنه لما سأل { الحق } المراد به الهلاك للعدو والنجاة للولي ، أفرد الإضافة إشارة إلى تخصيصه بالفضل ، وإفرادهم بالعدل ، ولما سأل العون عم بالإضافة والصفة قنوعاً بترجيح جانبه بالعون وإن شملتهم الرحمة ، ولأن من رحمتهم خليتهم عما هم عليه من الشر{[52131]} فقال : { المستعان } أي المطلوب منه العون وهو خبر المبتدأ موصوف { على ما تصفون* } مما هو ناشىء عن غفلتكم الناشئة عن إعراضكم عن هذا الذكر من الاستهزاء والقذف بالسحر وغيره ، والمناصبة{[52132]} بالعداوة والتوعد{[52133]} بكل شر{[52134]} ، فقد انطبق آخر السورة على أولها بذكر الساعة رداً على قوله { اقترب للناس حسابهم } وذكر غفلتهم وإعراضهم وذكر القرآن الذي هو البلاغ ، وذكر الرسالة بالرحمة لمن نسبوه إلى السحر وغيره ، وتفصيل ما استعجلوا به من آيات الأولين وغير ذلك ، وقام الدليل بالسمع بعد العقل على تحقق أمر الساعة بأنه سبحانه لا شريك له يمنعه من ذلك ، وأنه يعلم السر وأخفى ، وهو رحمن ، فمن رحمته إيجاد يوم الدين ليجازي فيه المحسن بإحسانه ، والمسيء بكفرانه ، وفي ذلك أعظم ترهيب{[52135]} في أعلى حاث على التقوى للنجاة في ذلك اليوم ، وهو أول{[52136]} التي تليها - والله الموفق .

ختام السورة:

فقد انطبق آخر السورة على أولها بذكر الساعة رداً على قوله { اقترب للناس حسابهم } وذكر غفلتهم وإعراضهم وذكر القرآن الذي هو البلاغ ، وذكر الرسالة بالرحمة لمن نسبوه إلى السحر وغيره ، وتفصيل ما استعجلوا به من آيات الأولين وغير ذلك ، وقام الدليل بالسمع بعد العقل على تحقق أمر الساعة بأنه سبحانه لا شريك له يمنعه من ذلك ، وأنه يعلم السر وأخفى ، وهو رحمن ، فمن رحمته إيجاد يوم الدين ليجازي فيه المحسن بإحسانه ، والمسيء بكفرانه ، وفي ذلك أعظم ترهيب في أعلى حاث على التقوى للنجاة في ذلك اليوم ، وهو أول التي تليها - والله الموفق .


[52116]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[52117]:من ظ ومد وفي الأصل: حيث.
[52118]:زيد في الأصل: فقال: ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[52119]:زيد في الأصل: الله ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[52120]:من ظ ومد وفي الأصل: متعلق.
[52121]:بياض في الأصل، ملأناه من ظ ومد.
[52122]:بياض في الأصل ملأناه من ظ ومد.
[52123]:من ظ ومد وفي الأصل: لعلق – كذا.
[52124]:زيد من مد.
[52125]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[52126]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[52127]:راجع تفسيره 3 / 203.
[52128]:في التفسير: غزاة.
[52129]:زيد من مد.
[52130]:زيد من مد.
[52131]:زيد من مد.
[52132]:من ظ ومد وفي الأصل: الناصبة.
[52133]:من ظ ومد، وفي الأصل: المتوعد.
[52134]:من ظ ومد وفي الأصل: شيء.
[52135]:من ظ ومد وفي الأصل: ترهب.
[52136]:من ظ ومد وفي الأصل: أزل.