وقوله : ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ ، يقول جلّ ثناؤه : ثم ردّ البصر يا ابن آدم كرّتين ، مرّة بعد أخرى ، فانظر هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أو تفاوت ، يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا يقول : يرجع إليك بصرك صاغرا مُبْعَدا من قولهم للكلب : اخسأ ، إذا طردوه أي ابعد صاغرا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : وهو مُعْيٍ كالّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْن يقول : هل ترى في السماء من خَللِ يَنْقَلِبْ إليكَ البَصَرُ خاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ بسواد الليل .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله خاسئا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : ذليلاً . . وقوله : وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : مرجف .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا أي حاسرا وَهُوَ حَسيرٌ أي مُعْيٍ .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله خاسِئا قال : صاغرا ، وَهُوَ حَسِيرٌ يقول : مُعْيٍ لم ير خَلَلاً ولا تفاوتا .
وقال بعضهم : الخاسىء والحسير واحد . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . . . الاَية ، قال : الخاسىء ، والخاسر واحد ، حَسَر طرفُه أن يَرى فيها فَطْرًا ، فرجع وهو حسير قبل أن يرى فيها فَطْرا ، قال : فإذا جاء يوم القيامة انفطرت ثم انشقت ، ثم جاء أمر أكبر من ذلك انكشطت .
وقال منذر بن سعيد : أمر الله تعالى بالنظر إلى السماء وخلقها ثم أمر بالتكرير في النظر ، وكذلك جميع المخلوقات متى نظرها ناظر ، ليرى فيها خللاً أو نقصاً ، فإن بصره ينقلب { خاسئاً } حسيراً ، ورجع البصر ترديده في الشيء المبصر .
وقوله : { كرتين } معناه مرتين ، ونصبه على المصدر ، والخاسئ المبعد بذل عن شيء أراده وحرص عليه ، ومنه الكلب الخاسئ ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد : «اخسأ فلن تعد وقدرك »{[11204]} ، ومنه قوله تعالى للكفار الحريصين على الخروج من جهنم : { اخسؤوا فيها }{[11205]} [ المؤمنون : 108 ] ، وكذلك هنا البصر يحرص على رؤية فطور أو تفاوت فلا يجد ذلك ، فينقلب { خاسئاً } ، والحسير العييّ الكالّ ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
لهن الوجا لم كن عوناً على النوى*** ولا زال منها طالح وحسير{[11206]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.