{ أُولَئِكَ } الموصوفون بالصبر المذكور { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي : ثناء وتنويه بحالهم { وَرَحْمَةٌ } عظيمة ، ومن رحمته إياهم ، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الذين عرفوا الحق ، وهو في هذا الموضع ، علمهم بأنهم لله ، وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله .
ودلت هذه الآية ، على أن من لم يصبر ، فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله ، والعقوبة ، والضلال والخسار ، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين ، وأعظم عناء الجازعين ، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها ، لتخف وتسهل ، إذا وقعت ، وبيان ما تقابل به ، إذا وقعت ، وهو الصبر ، وبيان ما يعين على الصبر ، وما للصابر من الأجر ، ويعلم حال غير الصابر ، بضد حال الصابر .
وأن هذا الابتلاء والامتحان ، سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وبيان أنواع المصائب .
القول في تأويل قوله تعالى : { أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : أُولَئِكَ هؤلاء الصابرون الذين وصفهم ونعتهم عليهم ، يعني لهم صلوات يعني مغفرة . وصلوات الله على عباده : غفرانه لعباده ، كالذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «اللّهُمّ صَلّ على آل أبي أوْفَى » يعني اغفر لهم . وقد بينا الصلاة وما أصلها في غير هذا الموضع .
وقوله : وَرَحْمَةٌ يعني ولهم مع المغفرة التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها رحمة من الله ورأفة .
ثم أخبر تعالى ذكره مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه تسليما منهم لقضائه من المغفرة والرحمة أنهم هم المهتدون المصيبون طريق الحقّ والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب . وقد بينا معنى الاهتداء فيما مضى فإنه بمعنى الرشد بالصواب . وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ قال : أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ورجع واسترجع عند المصيبة ، كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبَرَ اللّهُ مُصِيبَتَهُ ، وأحْسَنَ عُقْبَاهُ ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفا صَالِحا يَرْضَاهُ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ يقول : الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ ولو أعطيها أحد لأُعطيها يعقوب عليه السلام ، ألم تسمع إلى قوله : يا أسَفَى عَلَى يُوسُفَ .
{ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } الصلاة في الأصل الدعاء ، ومن الله تعالى التزكية والمغفرة . وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها . والمراد بالرحمة اللطف والإحسان . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه " { وأولئك هم المهتدون } للحق والصواب حيث استرجعوا وسلموا لقضاء الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.