تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

{ 12 - 14 } { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

هذا إخبار عن قدرته وحكمته ورحمته ، أنه جعل البحرين لمصالح العالم الأرضي كلهم ، وأنه لم يسوِّ بينهما ، لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبة فراتا ، سائغا شرابها ، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون ، وأن يكون البحر ملحا أجاجا ، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ولأنه ساكن لا يجري ، فملوحته تمنعه من التغير ، ولتكون حيواناته أحسن وألذ ، ولهذا قال : { وَمِنْ كُلٍ } من البحر الملح والعذب { تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك المتيسر صيده في البحر ، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } من لؤلؤ ومرجان وغيرهما ، مما يوجد في البحر ، فهذه مصالح عظيمة للعباد .

ومن المصالح أيضا والمنافع في البحر ، أن سخره اللّه تعالى يحمل الفلك من السفن والمراكب ، فتراها تمخر البحر وتشقه ، فتسلك من إقليم إلى إقليم آخر ، ومن محل إلى محل ، فتحمل السائرين وأثقالهم وتجاراتهم ، فيحصل بذلك من فضل اللّه وإحسانه شيء كثير ، ولهذا قال : { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هََذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهََذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وما يعتدل البحران فيستويان ، أحدهما عَذْب فُرات والفرات : هو أعذب العذب ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ يقول : والاَخر منهما ملح أجاج ، وذلك هو ماء البحر الأخضر والأُجاج : المرّ ، وهو أشدّ المياه مُلوحة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَهَذَا مِلْحٌ أُجاجٌ والأُجاج : المرّ .

وقوله : وَمِنْ كُل تَأْكُلُونَ لَحْما طَرِيّا يقول : ومن كلّ البحار تأكلون لحما طَرِيا ، وذلك السمك من عذبهما الفرات ، وملحهما الأجاج وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها يعني : الدرّ والمرجان تستخرجونها من الملح الأجاج . وقد بيّنا قبل وجه تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً ، وإنما يستخرج من الملح فيما مضى بما أغنى عن إعادته وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ يقول تعالى ذكره : وترى السفن في كل تلك البحار مواخر ، تمخُر الماء بصدورها ، وذلك خرقها إياه إذا مرّت واحدتها ماخرة . يقال منه : مَخَرت تمخُر ، وتمخَر مَخْرا ، وذلك إذا شقّت الماء بصدورها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنْ كُلّ تَأكُلُونَ لَحْما طَرِيّا : أي منهما جميعا وتَسْتَخْرِجونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها هذا اللؤلؤ ، وترى الفُلك فيه مواخر : فيه السفن مُقبلةً ومدبرة بريح واحدة .

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَتَرَى الفُلْكَ فِيه مَوَاخِرَ يقول : جَوارِي .

وقوله : لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول : لتطلبوا بركوبكم في هذه البحار في الفلك من معايشكم ، ولتتصرّفوا فيها في تجاراتكم ، وتشكروا الله على تسخيره ذلك لكم ، وما رزقكم منه من طيبات الرزق ، وفاخر الحليّ .