ذلك الشراب { خِتَامُهُ مِسْكٌ } يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته ، أو يفسد طعمه ، وذلك الختام ، الذي ختم به ، مسك .
ويحتمل أن المراد أنه [ الذي ] يكون في آخر الإناء ، الذي يشربون منه الرحيق حثالة ، وهي المسك الأذفر ، فهذا الكدر منه ، الذي جرت العادة في الدنيا أنه يراق ، يكون في الجنة بهذه المثابة ، { وَفِي ذَلِكَ } النعيم المقيم ، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله ، { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي : يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه ، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس ، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال .
وأما قوله : مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ممزوج مخلوط ، مِزاجه وخِلطه مِسك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن يزيد بن معاوية ، وعلقمة عن عبد الله بن مسعود ختِامُهُ مِسْكٌ قال : ليس بخاتم ، ولكن خلط .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن أشعث بن سليم ، عن يزيد بن معاوية ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود خِتامُهُ مِسْكٌ قال : أما إنه ليس بالخاتم الذي يختم ، أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول : طيب كذا وكذا خِلطه مسك .
حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا أيوب ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عمن ذكره ، عن علقمة ، في قوله : خِتامُهُ مِسْكٌ قال : خِلطه مسك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، عن عبد الله مختوم قال : ممزوج خِتامُهُ مِسْكٌ قال : طعمه وريحه .
قال : ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن يزيد بن معاوية ، عن علقمة خِتامُهُ مِسْكٌ قال : طعمه وريحه مسك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن آخر شرابهم يُخْتم بمسك يجعل فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ يقول : الخمر : خُتِم بالمسك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس خِتامُهُ مِسْكٌ قال : طيّب الله لهم الخمر ، فكان آخر شيء جعل فيها حتى تختم ، المسك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة خِتامُهُ مِسْكٌ قال : عاقبته مسك ، قوم تُمزَج لهم بالكافور ، وتختم بالمسك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة خِتامُهُ مِسْكٌ قال : عاقبته مِسك .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : خِتامُهُ مِسْكٌ قال طيّب الله لهم الخمر ، فوجدوا فيها في آخر شيء منها ، ريح المسك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا حاتم بن وردان ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن إبراهيم والحسن في هذه الاَية : خِتامُهُ مِسْكٌ قال : عاقبته مسك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي الدرداء خِتامُهُ مِسْكٌ فالشراب أبيض مثل الفضة ، يختمون به شرابهم ، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها .
وقال آخرون : عُنِي بقوله : مَخْتُومٍ مُطَيّن خِتامُهُ مِسْكٌ طينه مسك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ قال : طينه مسك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَخْتُومٍ الخمر خِتامُهُ مِسْكٌ : ختامه عند الله مسك ، وختامها اليوم في الدنيا طين .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : آخره وعاقبته مسك : أي هي طيبة الريح ، إن ريحها في آخر شربهم ، يختم لها بريح المسك .
وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة ، لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع ، والفراغ كقولهم : ختم فلان القرآن : إذا أتى على آخره ، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة ، يفهم إذا كان شرابهم جاريا جري الماء في الأنهار ، ولم يكن مُعتقا في الدنان ، فيُطَيّن عليها وتختم ، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الاَخر ، وهو العاقبة والمشروب آخرا ، وهو الذي ختم به الشراب . وأما الختم بمعنى المزج ، فلا نعلمه مسموعا من كلام العرب .
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : خِتامُهُ مِسْكٌ سوى الكسائيّ ، فإنه كان يقرؤه : «خاتَمَهُ مِسْكٌ » .
والصواب من القول عندنا في ذلك : ما عليه قَرَأَة الأمصار ، وهو خِتامُهُ ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، والختام والخاتم ، وإن اختلفا في اللفظ ، فإنهما متقاربان في المعنى ، غير أن الخاتم اسم ، والختام مصدر ومنه قول الفرزدق :
فَبِتْنَ بِجانِبَيّ مُصَرّعاتٍ *** وَبِتّ أفُضّ أغْلاقَ الخَتامِ
ونظير ذلك قولهم : هو كريم الطبائع والطباع .
وقوله : وفِي ذَلكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ يقول تعالى ذكره : وفي هذا النعيم الذي وصف جلّ ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة ، فلينتافس المتنافسون . والتنافس : أن ينَفِس الرجل على الرجل بالشيء يكون له ، ويتمنى أن يكون له دونه ، وهو مأخوذ من الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس ، وتطلبه وتشتهيه ، وكان معناه في ذلك : فليجدّ الناس فيه ، وإليه فليستبقوا في طلبه ، ولتحرص عليه نفوسهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.