ومن مظاهر قدرته وكرمه - أيضاً - أنه - سبحانه - ركبك ووضعك فى أى صورة من الصور المتنوعة التى اقتضتها مشيئته وحكمته .
فقوله : { في أَىِّ صُورَةٍ } متعلق بركبك . و " ما " مزيدة ، و " شاء " صفة لصورة ولم يعطف " ركبك " على ما قبله بالفاء ، كما عطف ما قبله بها ، لأنه بيان لقوله { فَعَدَلَكَ } . والتقدير : فعلدك بأن ركبك فى أى صورة من الصور التى شاءها لك ، وهى صورة فيها ما فيها من العجائب والأسرار ، فضلا عن أنها أحسن صورة وأكملها ، كما قال - تعالى - : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } فالمقصود من الآيات الكريمة ، تذكير الإِنسان بفضل ربه - تعالى - عليه ، وحضه على طاعته وشكره ، وتوبيخه على تقصيره وجحوده ، وتهديده بسوء المصير إذا ما استمر فى غفلته وغروره .
قال بعض العلماء : إن خلق الإِنسان على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة ، الكاملة الشكل والوظيفة . أمر يستحق التدبر الطويل ، والشكر العميق ، والأدب الجم لربه الكريم الذى أكرمه بهذه الخلقة .
وهناك مؤلفات كاملة فى وصف كمال التكوين الإِنسان العضوى ودقته وإحكامه .
كاكتمال التكوين الجسدى ، والعضلى ، والجلدى ، والهضمى ، والدموى والعظمى ، والتنفسى ، والتناسلى ، والعصبى . . للإِنسان .
وإن جزءا من أذن الإِنسان " الأذن الوسطى " لهو سلسلة من نحو أربعة آلاف جزئية دقيقة معقدة ، متدرجة بنظام بالغ الدقة فى الحجم والشكل .
ومركز حاسة الإِبصار فى العين التى تحتوى على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء .
وهى أطراف الأعصاب ، ويقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذى يقيها ليلا ونهارا
وقوله تعالى : { في أي صورة ما شاء ركبك } ، ذهب الجمهور إلى أن { في } متعلقة ب { ركبك } ، أي في قبيحة أو حسنة أو مشوهة أو سليمة ونحو هذا ، وذهب بعض المتأولين أن المعنى { فعدلك } { في أي صورة } : بمعنى إلى أي صورة حتى قال بعضهم : لم يجعلك في صورة خنزير ولا حمار ، وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى : الوعيد والتهديد ، أي الذي إن شاء ركبك في صورة حمار أو خنزير أو غيره ، و { ما } في قوله : { ما شاء } ، زائدة فيها معنى التأكيد ، والتركيب والتأليف وجمع الشيء إلى شيء ، وروى خارجة عن نافع : «ركبك كلا » بإدغام الكاف في الكاف
وقوله : { في أي صورة } اعلم أن أصل { أي } أنها للاستفهام عن تمييز شيء عن مشاركيه في حاله كما تقدم في قوله تعالى : { من أي شيء خلقه } في سورة عبس ( 18 ) وقوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } [ الأعراف : 185 ] .
والاستفهام بها كثيراً ما يراد به الكناية عن التعجب أو التعجيب من شأن ما أضيفت إليه { أيّ } لأن الشيء إذا بلغ من الكمال والعظمة مبلغاً قوياً يُتساءل عنه ويُستفهم عن شأنه ، ومن هنا نشأ معنى دلالة { أيّ } على الكمال ، وإنما تحقيقه أنه معنى كنائي كثر استعماله في كلامهم ، وإنما هي الاستفهامية ، و { أيّ } هذه تقع في المعنى وصفاً لنكرة إمّا نعتاً نحو : هو رجل أيُّ رجل ، وإما مضافة إلى نكرة كما في هذه الآية ، فيجوز أن يتعلق قوله : { في أي صورة } بأفعال خلقَك ، فسوَّاك ، فعدَّلك » فيكون الوقف على { في أي صورة } .
ويجوز أن يتعلق بقوله { ركبك } فيكون الوقف على قوله { فعدلك } ويكون قوله { ما شاء } معترضاً بين { في أي صورة } وبين { ركَبَّك } .
والمعنى على الوجهين : في صورة أيّ صورة ، أي في صورة كاملة بديعة .
وجملة { ما شاء ركبك } بيان لجملة { عدَّلك } باعتبار كون جملة { عدّلك } مفرعة عن جملة { فسوَّاك } المفرغة عن جملة { خلقك } فبيانها بيان لهما .
و { في } للظرفية المجازية التي هي بمعنى الملابسة ، أي خلقك فسوّاك فعدلك ملابساً صورة عجيبة فمحل { في أي صورة } محل الحال من كاف الخطاب وعامل الحال { عدّلك } ، أو { ركّبك } ، فجعلت الصورة العجيبة كالظرف للمصوّر بها للدلالة على تمكنها من موصوفها .
و { ما } يجوز أن تكون موصولة مَا صدقُها تركيب ، وهي في موضع نصب على المفعولية المطلقة و { شاء } صلة { ما } والعائد محذوف تقديره : شاءه . والمعنى : ركّبك التركيب الذي شاءه قال تعالى : { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ] .
وعُدل عن التصريح بمصدر { ركّبك } إلى إبهامه ب { ما } الموصولة للدلالة على تقحيم الموصول بما في صلته من المشيئة المسندة إلى ضمير الرب الخالق المبدع الحكيم وناهيك بها .
ويجوز أن تكون جملة { شاء } صفة ل { صورة } ، والرابط محذوف و { ما } مزيدة للتأكيد ، والتقدير : في صورة عظيمة شاءها مشيئةً معينة ، أي عن تدبير وتقدير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.