ف { قَالَ } ابنه ، مكذبا لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة .
{ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } أي : سأرتقي جبلا ، أمتنع به من الماء ، ف { قَالَ } نوح : { لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } فلا يعصم أحدا ، جبل ولا غيره ، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب ، لما نجا إن لم ينجه الله . { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ } الابن { مِنَ الْمُغْرَقِينَ }
ولكن هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه . لم تجد أذنا واعية من هذا الابن العاق المغرور ، بل رد على أبيه : { قَالَ سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
ولكن هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه . لم تجد أذنا واعية من هذا الابن العاق المغرور ، بل رد على أبيه : { قَالَ سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
أى : قال : سألتجئ إلى جبل من الجبال الشاهقة ، لكى أتحصن به من وصول الماء إلى .
وهنا يرد عليه أبوه الرد الأخير فيقول - كما حكى القرآن عنه - : { قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ . . }
أى : قال نوح لابنه : لا معصوم اليوم من عذاب الله إلا من رحمه - سبحانه - بلطفه وإحسانه ، وأما الجبال وأما الحصون . . وأما غيرهما من وسائل النجاة ، فسيعلوها الطوفان ، ولن تغنى عن المحتمى بها شيئا .
وعبر عن العذاب بأمر الله ، تهويلا لشأنه .
وقوله : { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين } بيان للعاقبة السيئة التى آل إليها أمر الابن الكافر .
أى : وحال وفصل الموج بهديره وسرعته بين الابن وأبيه .
فكانت النتيجة أن صار الابن الكافر من بين الكافرين المغرقين .
والتعبير بقوله : { وَحَالَ . . . } يشعر بسرعة فيضان الماء واشتداده ، حتى لكأن هذه السرعة لم تمهلهما ليكملا حديثهما .
والتعبير بقوله : { فَكَانَ مِنَ المغرقين } يشير إلى أنه لم يغرق وحده ، وإنما غرقهو وغرق معه كل من كان على شاكلته فى الكفر .
وهكذا تصور لنا هذه الآية الكريمة ما دار بين نوح وابنه من محاورات فى تلك اللحظات الحاسمة المؤثرة ، التى يبذل فيها كل أب ما يستطيع بذله من جهود لنجاة ابنه من هذا المصير المؤلم .
وقوله : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ } أي : السفينة سائرة بهم على وجه الماء ، الذي قد طَبَّق{[14602]} جميع الأرض ، حتى طفت{[14603]} على رءوس الجبال ، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا ، وقيل : بثمانين ميلا وهذه السفينة على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كَنَفه وعنايته{[14604]} وحراسته وامتنانه كما قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 ، 12 ] ، وقال تعالى : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [ القمر : 13 - 15 ] .
وقوله : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ } هذا هو الابن الرابع ، واسمه " يام " ، وكان كافرا ، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون ، { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } وقيل : إنه اتخذ له مركبا من زُجاج ، وهذا من الإسرائيليات ، والله أعلم بصحته . والذي نص عليه القرآن أنه قال : { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال ، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجّاه ذلك من الغرق ، فقال له أبوه نوح ، عليه السلام : { لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ } أي : ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله . وقيل : إن عاصما بمعنى معصوم ، كما يقال : " طاعم وكاس " ، بمعنى مطعوم ومكسُوّ ، { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } .
ظن ابن نوح أن ذلك المطر والماء على العادة ، وقوله : { لا عاصم } قيل فيه : إنه على لفظة فاعل ؛ وقوله : { إلا مَنْ رحم } يريد إلا الله الراحم ، ف { مَنْ } كناية عن اسم الله تعالى ، المعنى : لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا ف { مَنْ } في موضع رفع ، وقيل : قوله : { إلا مَنْ رحم } استثناء منقطع كأنه قال : لا عاصم اليوم موجود ، لكن من رحم الله موجود{[6360]} ، وحسن هذا من جهة المعنى ، أن نفي العاصم يقتضي نفي المعصوم . فهو حاصل بالمعنى . وأما من جهة اللفظ ، ف { مَنْ } في موضع نصب على حد قول النابغة : إلا الأواري . . . . . . . {[6361]}
ولا يجوز أن تكون في موضع رفع على حد قول الشاعر : [ الرجز ] .
وبلدة ليس بها أنيس*** إلا اليعافير وإلا العيس{[6362]}
إذ هذان أنيس ذلك الموضع القفر ، والمعصوم هنا ليس بعاصم بوجه ، وقيل { عاصم } معناه ذو اعتصام ، ف { عاصم } على هذا في معنى معصوم ، ويجيء الاستثناء مستقيماً ، و { مَنْ } في موضع رفع ، و { اليوم } ظرف ، وهو متعلق بقوله : { من أمر الله } ، أو بالخير الذي تقديره : كائن اليوم ، ولا يصح تعلقه ب { عاصم } لأنه كان يجيء منوناً : لا عاصماً اليوم يرجع إلى أصل النصب لئلا يرجع ثلاثة أشياء واحداً ، وإنما القانون أن يكون الشيئان واحداً : { لا } وما عملت فيه ، ومثال النحويين في هذه المسألة : لا أمراً يوم الجمعة لك ، فإن أعلمت في يوم لك قلت : لا أمر{[6363]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.