تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

{ 125 } { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ }

يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته ، وعلامة شقاوته وضلاله- : إن من انشرح صدره للإسلام ، أي : اتسع وانفسح ، فاستنار بنور الإيمان ، وحيي بضوء اليقين ، فاطمأنت بذلك نفسه ، وأحب الخير ، وطوعت له نفسه فعله ، متلذذا به غير مستثقل ، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ، ومَنَّ عليه بالتوفيق ، وسلوك أقوم الطريق .

وأن علامة من يرد الله أن يضله ، أن يجعل صدره ضيقا حرجا . أي : في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين ، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات ، فلا يصل إليه خير ، لا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء ، أي : كأنه يكلف الصعود إلى السماء ، الذي لا حيلة له فيه .

وهذا سببه ، عدم إيمانهم ، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم ، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان ، وهذا ميزان لا يعول ، وطريق لا يتغير ، فإن من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى ، يسره الله لليسرى ، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى ، فسييسره للعسرى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

ثم بين - سبحانه - حال المستعد لهداية الإسلام ، وحال المستعد للضلال فقال :

{ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } .

أى : فمن يرد الله أن يهديه للإسلام ، ويوفقه له ، يوسع صدره لقبوله ، ويسهله له بفضله وإحسانه .

وشرح الصدر : توسعته ، يقال : شرح الله صدره فانشرح ، أى : وسعه فاتسع ، وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها . مصفاة عما يمنعه وينافيه .

روى عبد الرازق أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية : كيف يشرح صدره ؟ فقال : " نور يقذف فينشرح له وينفسح ، قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافة عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " .

وقوله : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } أى ومن يرد أن يضله لسوء اختياره ، وإيثاره الضلالة على الهداية يصير صدره ضيقا متزايد الضيق لا منفذ فيه للإسلام .

والحرج : مصدر حرج صدره حرجا فهو حرج ، أى : ضاق ضيقا شديداً . وصف به الضيق للمبالغة ، كأنه نفس الضيق ، وأصل الحرج مجتمع الشىء ويقال : للحديقة الملتفة الأشجار التى يصعب دخولها حرجة .

وقرىء حرجا - بكسر الراء - صفة لقوله { ضَيِّقاً } .

روى أن جماعة من الصحابة قرأوا أمام عمر - رضى الله عنه - " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " بكسر الراء فقال عمر : يا فتى ما الحرجة فيكم ؟ قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التى لا تصل إليها راعية ولا وحشية . فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شىء من الخير " .

وقوله { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء } استئناف ، أو حال من ضمير الوصف ، أو وصف آخر لقلب الضال ، والمراد المبالغة فى ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة .

أى : كأنما إذا دعى إلى الإسلام قد كلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيعه بحال . ويصعد أى : يتصعد ، بمعنى يتكلف الصعود فلا يقدر عليه .

وفيه إشارة إلى أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود .

وقوله : { كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } أى : مثل جعل الصدر ضيقا حرجا بالإسلام ، يجعل الله الرجس . أى : العذاب ، أو الخذلان ، أو اللعنة فى الدنميا على الذين لا يؤمنون بالإسلام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

يقول تعالى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } أي : ييسره له وينشطه ويسهله لذلك ، فهذه علامة على الخير ، كقوله تعالى : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ]{[11186]} } [ الزمر : 22 ] ، وقال تعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } [ الحجرات : 7 ] .

قال ابن عباس : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } يقول : يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به وكذا قال أبو مالك ، وغير واحد . وهو ظاهر .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي جعفر قال : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : أيّ المؤمنين أكيس ؟ قال : " أكثرهم ذكرًا للموت ، وأكثرهم{[11187]} لما بعده استعدادًا " . قال :

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } وقالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال : " نور يُقْذَف فيه ، فينشرح له وينفسح " . قالوا : فهل لذلك من أمارة يُعرف بها ؟ قال : " الإنابة إلى دار الخُلُود ، والتَّجَافِي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " {[11188]} .

وقال ابن جرير : حدثنا هَنَّاد ، حدثنا قَبِيصَة ، عن سفيان - يعني الثوري - عن عمرو بن مُرَّة ، عن رجل يكنى أبا جعفر كان يسكن المدائن ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ [ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ] }{[11189]} فذكر نحو ما تقدم{[11190]} .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات القزاز ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح{[11191]} قالوا : يا رسول الله ، هل لذلك من أمارة ؟ قال : " نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت " .

وقد رواه ابن جرير عن سوار بن عبد الله العنبري ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن مرة ، عن أبي جعفر فذكره{[11192]} .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عمرو بن قَيْس ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن المِسْوَر قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } قالوا : : يا رسول الله ، ما هذا الشرح ؟ قال : " نور يقذف به في القلب " . قالوا : يا رسول الله ، فهل لذلك من أمارة{[11193]} ؟ قال " نعم " قالوا : وما هي ؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت " {[11194]} .

وقال ابن جرير أيضا : حدثني هلال بن العلاء ، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد ، حدثنا محمد بن سَلمَة ، عن أبي عبد الرحيم{[11195]} عن زيد بن أبي أنَيْسة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنه ]{[11196]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح " . قالوا : فهل لذلك من علامة يعرف بها ؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لُقي الموت " {[11197]} .

وقد رواه [ ابن جرير ]{[11198]} من وجه آخر ، عن ابن مسعود متصلا مرفوعًا فقال : حدثني بن سِنان القزاز ، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ } قالوا : يا رسول الله ، وكيف يُشْرَح صدره ؟ قال : " يدخل الجنة فينفسح " . قالوا : وهل لذلك{[11199]} علامة يا رسول الله ؟ قال : " التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت " {[11200]} .

فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة ، يشد بعضها بعضا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ] }{[11201]} قرئ بفتح الضاد وتسكين الياء ، والأكثرون : { ضَيِّقًا } بتشديد الياء وكسرها ، وهما لغتان : كَهَيْن وهَيّن . وقرأ بعضهم : { حَرَجًا } بفتح الحاء وكسر الراء ، قيل : بمعنى آثم . وقال{[11202]} السُّدِّي . وقيل : بمعنى القراءة الأخرى { حَرَجًا } بفتح الحاء والراء ، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ، ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه .

وقد سأل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، رجلا من الأعراب من أهل البادية من مُدْلج : ما الحرجة ؟ قال{[11203]} هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ، ولا وحشية ، ولا شيء . فقال عمر ، رضي الله عنه : كذلك قلب المنافق لا يصل{[11204]} إليه{[11205]} شيء من الخير{[11206]} .

وقال العَوْفي عن ابن عباس : يجعل الله عليه الإسلام ضيقًا ، والإسلام واسع . وذلك حين يقول : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] ، يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق .

وقال مجاهد والسُّدِّي : { ضَيِّقًا حَرَجًا } شاكا . وقال عطاء الخراساني : { ضَيِّقًا حَرَجًا } ليس للخير فيه منفذ . وقال ابن المبارك ، عن ابن جُرَيْج { ضَيِّقًا حَرَجًا } بلا إله إلا الله ، حتى لا تستطيع أن تدخله ، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه . وقال سعيد بن جُبَيْر : يجعل صدره { ضَيِّقًا حَرَجًا } قال : لا يجد فيه مسلكا إلا صُعدا .

وقال السُّدِّي : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } من ضيق صدره .

وقال عطاء الخراساني : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء . وقال الحكم بن أبان عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } يقول : فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه .

وقال الأوزاعي : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة تضيقه إياه عن وصول الإيمان إليه . يقول : فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه ؛ لأنه ليس في وسعه وطاقته .

وقال في قوله : { كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } يقول : كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصده عن سبيل الله{[11207]} .

قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : الرجس : الشيطان . وقال مجاهد : الرجس : كل ما لا خير فيه . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرجس : العذاب .


[11186]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
[11187]:في أ: "وأحسنهم".
[11188]:تفسير عبد الرزاق (1/210) ورواه الطبري في تفسيره (12/99) من طريق عبد الرزاق به.
[11189]:زيادة من أ.
[11190]:تفسير الطبري (12/100).
[11191]:في م: "وانشرح صدره".
[11192]:تفسير الطبري (12/98).
[11193]:في أ: "من أمارة تعرف".
[11194]:ورواه سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (3/355).
[11195]:في م، أ: "عبد الرحمن".
[11196]:زيادة من أ.
[11197]:رواه البيهقي في الزهد الكبير برقم (974) من طريق زيد بن أبي أنيسة به.
[11198]:زيادة من م.
[11199]:في م: "لذلك من".
[11200]:ورواه الحاكم في المستدرك (4/311) وابن أبي الدنيا في الموت ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان برقم (10552) من طريق عدي ابن الفضل، عن المسعودي، عن القاسم، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود بنحوه.قال الذهبي في تلخيص المستدرك: "عدي ساقط".
[11201]:زيادة من أ.
[11202]:في أ: "قاله"
[11203]:في أ: "فقال"
[11204]:في د: لا تصل".
[11205]:في أ: "إلى".
[11206]:رواه الطبري في تفسيره (12/104).
[11207]:تفسير الطبري (12/110).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

{ فمن يرد الله أن يهديه } يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان . { يشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار إليه أفضل الصلاة والسلام حين سأل عنه فقال " نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح " فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله " . { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان . وقرأ ابن كثير { ضيقا } بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم حرجا بالكسر أي شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا بالمصدر . { كأنما يصعد في السماء } شبهة مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود . وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه ، وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير { يصعد } وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد . { كذلك } أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق . { يجعل الله الرجس على الذين يؤمنون } يجعل العذاب أو الخذلان عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

وقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } ، الآية ، «من » أداة شرط ، و { يشرح } جواب الشرط ، والآية نص في أن الله عز وجل يريد هدى المؤمن وضلال الكافر ، وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى ، و «الهدى » في هذه الآية هو خلق الإيمان في القلب واختراعه ، و «شرح الصدر » هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله ، والهدى لفظة مشتركة تأتي بمعنى الدعاء كقوله عز وجل : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }{[5081]} وتأتي بمعنى إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق والأعمال المفضية إليها ، كقوله تعالى : { فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم }{[5082]} وغير ذلك ، إلا أنها في هذه الآية وفي قوله { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون }{[5083]} ، وفي قوله { إنك لا تهدي من أحببت }{[5084]} ونحوها لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان واختراعه ، إذ الوجوه من الهدى تدفعها قرائن الكلام مما قبل وبعد ، وقوله { يشرح صدره } ألفاظ مستعارة ها هنا إذ الشرح التوسعة والبسط في الأجسام وإذا كان الجرم مشروحاً موسعاً كان معداً ليحل فيه ، فشبه توطئة القلب وتنويره وإعداده للقبول بالشرح والتوسيع ، وشبه قبوله وتحصيله للايمان بالحلول في الجرم المشروح ، و «الصدر » عبارة عن القلب وهو المقصود إذ الإيمان من خصاله ، وكذلك الإسلام عبارة عن الإيمان إذ الإسلام أعم منه ، وإنما المقصود هنا الإيمان فقط بدليل قرينة الشرح والهدى ، ولكنه عبر بالإسلام إذ هو أعم . وأدنى الهدى حب الأعمال وامتثال العبادات . وفي { يشرح } ضمير عائد على الهدى ، قال : وعوده على الله عز وجل أبين .

قال القاضي أبو محمد : والقول بأن الضمير عائد على المهدي قول يتركب عليه مذهب القدرية في خلق الأفعال وينبغي أن يعتقد ضعفه وأن الضمير إنما هو عائد على اسم الله عز وجل ، فإن هذا يعضده اللفظ والمعنى ، وروي عن النبي عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية ، «قالوا يا رسول الله ، كيف يشرح الصدر ؟ قال :«إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح ، قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله ؟ قال : نعم : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الفوت »{[5085]} والقول في قوله { ومن يرد أن يضله } كالقول في قوله { فمن يرد الله أن يهديه } ، وقوله { يجعل صدره ضيقاً حرجاً } ألفاظ مستعارة تضاد شرح الصدر للإسلام ، ويجعل في هذا الموضع تكون بمعنى يحكم له بهذا الحكم ، كما تقول :«هذا يجعل البصرة مصراً{[5086]} » أي يحكم لها بحكمها .

قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى يقرب من صير ، وحكاه أبو علي الفارسي ، وقال أيضاً يصح أن يكون «جعل » بمعنى سمى ، كما قال تعالى { وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثاً }{[5087]} أي سموهم ، قال وهذه الآية تحتمل هذا المعنى .

قال القاضي أبو محمد : وهذا الوجه يضعف في هذه الآية ، وقرأ جمهور الناس والسبعة سوى ابن كثير «ضيِّقاً » بكسر الياء وتشديدها ، وقرأ ابن كثير «ضيْقاً » بسكون الياء وكذلك قرأ في الفرقان{[5088]} ، قال أبو علي وهما بمنزلة الميِّت والميْت ، قال الطبري وبمنزلة الهيِّن والليِّن والهيْن والليْن ، قال ويصح أن يكون الضيق مصدراً من قولك ضاق والأمر يضيق ضيقاً وضيقاً ، وحكي عن الكسائي أنه قال الضِّيق بشد الضاد وكسرها في الأجرام والمعاش ، والضَّيِق بفتح الضاد : في الأمور والمعاني ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «حرَجاً » بفتح الراء وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «حرِجاً » بكسرها ، قال أبو علي فمن فتح الراء كان وصفاً بالمصدر كما تقول رجل َقمَن بكذا وحرَي بكذا ودنَف{[5089]} ، ومن كسر الراء فهو كدِنف وقمِن وفرِق{[5090]} ، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها يوماً بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء ، فقال : ابغوني رجلاً من كنانة وليكن راعياً من بني مدلج ، فلما جاءه قال له : يا فتى ما الحرجة عندكم ؟ قال : الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية . قال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير ، وقوله تعالى : { كأنما يصعد في السماء } أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء متى حاول الإيمان أو فكر فيه ويجد صعوبته عليه كصعوبة الصعود في السماء ، قال بهذا التأويل ابن جريج وعطاء الخراساني والسدي ، وقال ابن جبير : المعنى لا يجد مسلكاً إلا صعداً من شدة التضايق ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «يصعد » بإدغام التاء من يتصعد في الصاد ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «يصّاعد » بإدغام التاء من يتصاعد في السماء ، وقرأ ابن كثير وحده «يصعد »{[5091]} ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف «يتصعد » بزيادة تاء ، و { في السماء } يريد من سفل إلى علو في الهواء ، قال أبو علي : ولم يرد السماء المظلة بعينها ، وإنما هو كما قال سيبويه والقيدود : الطويل في غير سماء ، يريد في غير ارتفاع صعداً قال ومن هذا قوله عز وجل :

{ قد نرى تقلب وجهك في السماء }{[5092]} أي في وجهة الجو .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على غير من تأول تقلب الوجه أنه الدعاء إلى الله عز وجل في الهداية إلى قبلة فإن مع الدعاء يستقيم أن يقلب وجهه في السماء المظلة حسب عادة الداعين إذ قد ألفوا مجيء النعم والآلاء من تلك الجهة ، وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤود كأنه يصعد بها الهواء ، و { يصعد } معناه يعلو ، و { يصعد } معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه . ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :«ما تصَّعدني شيء كما تصَّعدني خطبة النكاح » ، إلى غير ذلك من الشواهد ، «ويَّصاعد » في المعنى مثل «يَّصعد » وقوله تعالى : { كذلك يجعل الله الرجس } أي وكما كان هذه كله من الهدى والضلال بإرادة الله عز وجل ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس ، قال أهل اللغة { الرجس } يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس ، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال : { الرجس } كل ما لا خير فيه وقال بعض الكوفيين : الرجس والنجس لغتان بمعنى ، «ويجعل » في هذا الموضع يحسن أن تكون بمعنى يلقي كما تقول جعلت متاعك بعضه على بعض ، وكما قال عز وجل { ويجعل الخبيث بعضه على بعض }{[5093]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى في َجَعَل حكاه أبو علي الفارسي ، ويحسن أن تكون { يجعل } في هذه الآية بمعنى يصير ويكون المفعول الثاني في ضمن { على الذين لا يؤمنون } ، كأنه قال سبحانه :«قرين الدين » أو«لزيم الذين »ونحو ذلك .


[5081]:- من الآية (52) من سورة (الشورى).
[5082]:- من الآية (4) والآية (5) من سورة (محمد)
[5083]:- الآية (178) من سورة (الأعراف).
[5084]:- من الآية (56) من سورة (القصص).
[5085]:- أخرجه ابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني- رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي- وفي أوله: قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس؟ قال: (أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم لما بعده استعدادا) ثم تأتي بقية الحديث كما رواها ابن عطية رحمه الله- وفي آخره: (والاستعداد للموت قبل الموت) أو (قبل لقاء الموت). وأخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكذلك أخرجه عنه آخرون. (الدر المنثور 3/44) و (ابن كثير3/97).
[5086]:- المراد أن يجعل البصرة مثل مصر ويحكم لها بحكمها، و(مصر) كما قال ابن سيدة: تصرف ولا تصرف. (راجع اللسان).
[5087]:- من الآية (19) من سورة (الزخرف).
[5088]:- في الآية (13) من سورة الفرقان وهي قوله تعالى: {وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا}.
[5089]:-- قمن (تكون بفتح الميم كجبل، وبكسرها ككشف، وهو الخليق والجدير بالأمر. و(حري) هو الخليق والجدير أيضا، يقال: إنه لحري بكذا، وحري كغني، وحر. والدنف: المرض، يقال: رجل وامرأة وقوم دنف محركة، فإذا كسرت فقلت (دنف) أنّثت وثنّيت وجمعت-وقد تثنى وتجمع المحركة. (القاموس المحيط).
[5090]:- فرق كفرح: الفزع الخائف. (القاموس المحيط).
[5091]:- أي: بإسكان الصاد مخففة من الصعود وهو الطلوع. وأما [يصاعد] فأصلها (يتصاعد) بالتاء، وكذلك [يصّهّد] أصلها (يتصعّد) بالتاء، وقد أدغمت التاء في الصاد في القراءتين، والمعنى فيهما يدل على فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله.
[5092]:- من الآية (144) من سورة (البقرة).
[5093]:- من الآية (37) من سورة (الأنفال).