بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

قوله تعالى : { يَمْكُرُونَ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ } يعني : من يرد الله أن يوفقه للإسلام ويهديه لدينه { يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام } يقول يوسع قلبه ويلينه لقبول الإسلام ، ويدخل فيه نور الإسلام وحلاوته . وقال القتبي : { يَشْرَحْ صَدْرَهُ } يعني : يفتحه .

قال الفقيه : قال : حدّثنا الخليل بن أحمد حدّثنا الديبلي قال : حدّثنا أبو عبيد الله عن سفيان عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما نزلت هذه الآية { فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام } قالوا : يا رسول الله : فكيف ذلك ؟ إذا دخل النور في القلب انشرح وانفسح قالوا : وهل لذلك من علامة يعرف به ؟ قال : « نَعَمْ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ وَالإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ وَالاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ »

ثم قال تعالى : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } عن الإسلام فلا يقبله ويتركه بغير نور { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً } عن الإسلام يعني : غير موسع { حَرَجاً } يعني : شاكاً . وقال ابن عباس : كالشجرة الملتفة بعضها في بعض لا يجد النور منفذاً ومجازاً قرأ ابن كثير { ضَيّقاً } بتخفيف الياء وجزمها . وقرأ الباقون بالتشديد . وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر { حَرَجاً } بكسر الراء . وقرأ الباقون بالنصب . فمن قرأ بالنصب فهو المصدر . ومن قرأ بالكسر فهو النعت .

ثم قال : { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء } يعني : مثله كمثل الذي يتكلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيع ، فكذلك قلب الكافر لا يستطيع قبول الإسلام . قرأ ابن كثير { يَصْعَدُ } بجزم الصاد ونصب العين بغير تشديد من صَعَد يَصْعَد . وقرأ عاصم في رواية أبي بكر { يَصَّاعد } بالألف مع تشديد الصاد وتخفيف العين لأن أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد . وقرأ الباقون : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ } بتشديد الصاد والعين بغير ألف لأن أصله يتصعد فأدغم التاء في الصاد ثم قال : { كذلك يَجْعَلُ الله الرجس } يعني : العذاب { عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } بترك حلاوة الإيمان على الذين لا يرغبون في الإيمان ويقال الرجس في اللغة : هو اللعنة والعذاب .