إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

{ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ } أي يُعرِّفه طريقَ الحقِّ ويوفِّقَه للإيمان { يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام } فيتسعَ له وينفتح ، وهو كنايةٌ عن جعل النفس قابلةً للحق مُهيأة لحلوله فيها مصفّاةً عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام حين سئل فقال : «نورٌ يقذِفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفتح » فقالوا : هل لذلك من أمارة يُعرف بها ؟ فقال : « نعم ، الإنابةُ{[234]} إلى دار الخلود والإعراضُ عن دار الغرورِ والاستعدادُ للموت قبل نزوله » { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } أي يخلُقَ فيه الضلالَ بصرف اختيارِه إليه { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً } بحيث ينبو{[235]} عن قَبول الحقِّ فلا يكاد يدخله الإيمانُ ، وقرئ ضَيْقاً بالتخفيف ، وحرِجاً بكسر الراء أي شديد الضيق والأولُ مصدرٌ وُصف به مبالغة . { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ } ( ما ) هذه مُهيِّئةٌ لدخول كأنّ على الجمل الفعلية { في السماء } شِبْهٌ للمبالغة في ضيق صدرِه بمن يزاول ما لا يكاد يُقدر عليه فإن صعودَ السماءِ مثلٌ فيما هو خارجٌ عن دائرة الاستطاعة ، وفيه تنبيه على أن الإيمانَ يمتنع منه كما يمتنع منه الصعودُ وقيل : معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبُوّاً عن الحق وتباعداً في الهرب منه ، وأصلُ يصعّد يتصعّد وقد قرئ به وقرئ يصّاعد وأصله يتصاعد { كذلك } أي مثلَ ذلك الجعلِ الذي هو جعلُ الصدرِ حرِجاً على الوجه المذكور { يَجْعَلُ الله الرِّجس } أي العذابَ أو الخِذلانَ . قال مجاهدٌ : الرجسُ ما لا خيرَ فيه . وقال الزجاج : الرجسُ اللعنةُ في الدنيا والعذابُ في الآخرة { عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } أي عليهم ، ووضعُ المفعولِ موضعَ المضمر للإشعار بأن جعلَه تعالى معلَّلٌ بما في حيز الصلةِ من كمال نبُوِّهم عن الإيمان وإصرارِهم على الكفر .


[234]:الإنابة إلى الشيء: الرجوع إليه مرة بعد أخرى. وأناب إلى الله: تاب ورجع. والإنابة إلى دار الخلود: التطلع إليها والرجوع دائما إلى ما يفضي إليها.
[235]:نبا عن الشيء: أعرض عنه ونفر.