{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الشرح الشق وأصله التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته ، والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح .
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن أبي جعفر المدايني رجل من بني هاشم ، وليس هو محمد بن علي ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وقالوا كيف شرح صدره يا رسول الله قال : نور يقذف فيه فينشرح صدره له وينفسح له ، قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت ) {[720]} ، وقد روي بطرق يقوي بعضها بعضا والمتصل يقوي المرسل ، فالمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين .
{ ومن يرد أن يضله } يصرف اختباره إليه { يجعل صدره ضيقا } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يدخله الإيمان ، جعل بمعنى صير أو خلق أو سمى ، وهذا الثالث ذهب إليه الفارسي وغيره من المعتزلة النحاة ، وضيقا بالتشديد وقرئ بالتخفيف مثل هين ولين ، وهما لغتان .
{ حرجا } بالفتح جمع حرجة وهي شدة الضيق والحرجة الفيضة والجمع حريج وحرجات ، منه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه ، وبالكسر معناه الضيق ، كرر المعنى تأكيدا وحسن ذلك اختلاف اللفظ ، وقال الجوهري : مكان حرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية ، والحرج الإثم وقال الزجاج : الحرج أضيق الضيق فالمعنى يجعل صدره ضيقا حتى لا يدخله الإيمان .
وقال الكلبي : ليس للخير فيه منفذ ، وقال ابن عباس : إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه ، وإذا سمع ذكر الأصنام ارتاح إلى ذلك ، وفي الآية دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله وإرادته حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر .
{ كأنما يصعد في السماء } قرئ بالتخفيف من الصعود شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء ، وقرئ يصاعد ، وأصله يتصاعد وقرئ يصعد بالتشديد وأصله يتصعد ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء المظلة أو إلى مكان مرتفع وعر كالعقبة ، وقيل المعنى على جميع القراآت كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام وتكبرا ، وقيل ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد إلى السماء ، وليس يقدر على ذلك .
وقيل هو المشقة وصعوبة الأمر ، وقال ابن عباس : كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء كذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد قلبه حتى يدخله الله في قلبه ، ومن أراد أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عنه ضيقا والإسلام واسع ، وذلك حيث يقول : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } يقول ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق .
{ كذلك } أي مثل ذلك جعل الذي هو جعل الصدر ضيقا حرجا { يجعل الله الرجس } هو في اللغة النتن وقيل هو العذاب ، وقيل هو الشيطان يسلطه الله { على الذين لا يؤمنون } قاله ابن عباس : وقل هو ما لا خير فيه ، قاله مجاهد ، والمعنى الأول هو المشهور في لغة العرب وهو مستعار لما يحل بهم من العقوبة ، ويصدق على جميع المعاني المذكورة ، وقال الزجاج : الرجس في الدنيا اللعنة وفي الآخرة العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.