فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الشرح الشق وأصله التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته ، والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح .

أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن أبي جعفر المدايني رجل من بني هاشم ، وليس هو محمد بن علي ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وقالوا كيف شرح صدره يا رسول الله قال : نور يقذف فيه فينشرح صدره له وينفسح له ، قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت ) {[720]} ، وقد روي بطرق يقوي بعضها بعضا والمتصل يقوي المرسل ، فالمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين .

{ ومن يرد أن يضله } يصرف اختباره إليه { يجعل صدره ضيقا } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يدخله الإيمان ، جعل بمعنى صير أو خلق أو سمى ، وهذا الثالث ذهب إليه الفارسي وغيره من المعتزلة النحاة ، وضيقا بالتشديد وقرئ بالتخفيف مثل هين ولين ، وهما لغتان .

{ حرجا } بالفتح جمع حرجة وهي شدة الضيق والحرجة الفيضة والجمع حريج وحرجات ، منه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه ، وبالكسر معناه الضيق ، كرر المعنى تأكيدا وحسن ذلك اختلاف اللفظ ، وقال الجوهري : مكان حرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية ، والحرج الإثم وقال الزجاج : الحرج أضيق الضيق فالمعنى يجعل صدره ضيقا حتى لا يدخله الإيمان .

وقال الكلبي : ليس للخير فيه منفذ ، وقال ابن عباس : إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه ، وإذا سمع ذكر الأصنام ارتاح إلى ذلك ، وفي الآية دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله وإرادته حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر .

{ كأنما يصعد في السماء } قرئ بالتخفيف من الصعود شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء ، وقرئ يصاعد ، وأصله يتصاعد وقرئ يصعد بالتشديد وأصله يتصعد ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء المظلة أو إلى مكان مرتفع وعر كالعقبة ، وقيل المعنى على جميع القراآت كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام وتكبرا ، وقيل ضاق عليه المذهب فلم يجد إلا أن يصعد إلى السماء ، وليس يقدر على ذلك .

وقيل هو المشقة وصعوبة الأمر ، وقال ابن عباس : كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء كذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد قلبه حتى يدخله الله في قلبه ، ومن أراد أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عنه ضيقا والإسلام واسع ، وذلك حيث يقول : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } يقول ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق .

{ كذلك } أي مثل ذلك جعل الذي هو جعل الصدر ضيقا حرجا { يجعل الله الرجس } هو في اللغة النتن وقيل هو العذاب ، وقيل هو الشيطان يسلطه الله { على الذين لا يؤمنون } قاله ابن عباس : وقل هو ما لا خير فيه ، قاله مجاهد ، والمعنى الأول هو المشهور في لغة العرب وهو مستعار لما يحل بهم من العقوبة ، ويصدق على جميع المعاني المذكورة ، وقال الزجاج : الرجس في الدنيا اللعنة وفي الآخرة العذاب .


[720]:ابن كثير 2/174.