الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ كَذَٰلِكَ يَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (125)

قوله : { فمن يرد{[21737]} الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } الآية [ 126 ] .

من قرأ ( ضَيْقاً ) بالتخفيف{[21738]} ، فيحتمل أن يكون مخففا ( ضيق ) ، مثل ( ( ميْت ، ( وميّت ) ){[21739]} ، ويحتمل أن مصدر ( ضاق ضيقا ){[21740]} .

ومن قرأ ( حرجا ) بالكسر{[21741]} ، فهو اسم الفاعل ل( حَرِجَ يَحَرجُ ، فهو حَرِجٌ ) ، ومن فتحه{[21742]} جعله مصدرا ل( حَرِجَ حَرَجاً ){[21743]} .

ومعنى الكسر : ضَيقاً ( ضيّقاً ){[21744]} ، وهو الذي قد ضاق فلم يجد منفذا إلا أن يصعد في السماء ، وليس يقدر على ذلك{[21745]} . ومن فتح جعله صفة ل( ضيقا ) ، كما يقال : ( رجلٌ عدْلٌ ) و( رضى ) ، فكأنه{[21746]} يجعل صدره شديد الضيق{[21747]} .

ومعنى الآية : من يرد الله أن يهديه للإيمان ، { يشرح صدره } أي : يفسحه ويهون عليه{[21748]} ويُسَهّله{[21749]} .

قال النبي عليه السلام – وقد سُئِلَ عن هذه الآية : إذا دخل النور القلب ، انفسح{[21750]} وانشرح ، قالوا : هل لذلك من علامة تعرف ؟ . قال : نعم ، الإنابة{[21751]} إلى دار الخلود ، و( التجافي عن ){[21752]} دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت{[21753]} .

وقال ابن جريج : ( { يشرح{[21754]} صدره للإسلام } بلا إله إلا الله ){[21755]} .

{ ومن يرد أن يضله } أي : إضلاله عن سبيله ، { يجعل صدره ضيقا } بخذلانه إياه ، وغلبة{[21756]} الكفر عليه{[21757]} .

والحرج : أشد الضيق ، وهو الذي لا ينفذه من شدة{[21758]} ضيقه شيء ) ، وهو – هنا –الصدر الذي لا تصل إليه موعظة{[21759]} ، ولا يدخله نور الإيمان ، وأصل ( حرجا ){[21760]} أنه جمع ( حَرَجَة ) وهي الشجرة الملتف بها الأشجار ، لا يدخل{[21761]} بينها وبينها شيء من شدة التفافها{[21762]} .

وسأل عُمَرُ رجلا من العرب فقال له : ما الحرجة فيكم ؟ ، فقال{[21763]} : الحرجة فينا : الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعيةٌ ولا وحشيّة ولا شيء ، فقال عمر : وكذلك قلب{[21764]} المنافق لا يصل إليه شيء من الخير{[21765]} .

وقال مجاهد : معنى { ضيقا حرجا } : شاكا{[21766]} . وقال قتادة : ملتبسا{[21767]} وقال ابن جبير : لا يجد الإيمان إليه منفذا ولا مسلكا{[21768]} .

وهذه الآية ( من ){[21769]} أدل دليل{[21770]} على أن قدرة الطاعة غير قدرة المعصية ، وأن كلا القدرتين من عند الله تعالى ، لأنه أخبر أنه يشرح صدر من أراد ( هدايته ، ويضيق صدر من أراد ){[21771]} دَفْعَهُ عن الإيمان ، فَتَضْيِيقُه{[21772]} للصدر منع{[21773]} الإيمان ، ولو كان يوصل إلى الإيمان مع تضييق الصدر عنه ، لم يكن بين تضييقه وشرحه فرق{[21774]} .

وقوله : { كأنما يصعد في السماء } : هذا مثل ضربه{[21775]} الله لصدر الكافر في شدة ضيق صدره عن قبول الإٍسلام ونفوره عنه ، فهو بمنزلة من تكلَّف ما لا يُطِيقُهُ ، كما أن من تكلَّف صعود السماء تكلَّف ما لا يُطَاق{[21776]} .

ومعنى التشديد – على قراءة من شدد{[21777]} : أنه أتى به على ( يَتَفَعَّل ){[21778]} ثم أدغم{[21779]} كأنه يتكلف شيئا بعد{[21780]} شيء ، وكُلُّه لا يطيقه{[21781]} .

/{[21782]} ومن قرأ ( يصّاعد ){[21783]} أراد ( يتصاعد ){[21784]} ، ثم أدغم{[21785]} ، ومعناه : كأنه يتعاطى ما لا يقدر عليه ، لأن الله قد خذله عن أن يقبل الإيمان ، وضيّق صدره عن قبوله{[21786]} .

وتحقيق معنى { ضيقا حرجا } – فيمن كسر - : ضيّقا جدا ، كقولك{[21787]} : ( مريض دَنِفٌ ){[21788]} . ومن فتح فمعناه : ضيقا ذا حرج ، كقولك : ( رجل عدلٌ ) ، أي : ذو عدلٍ{[21789]} .

( والرجس ) هنا : ( ما لا خير فيه ){[21790]} ، قاله مجاهد{[21791]} .

وقال ابن زيد : ( الرجس : عذاب الله ){[21792]} .

وقال بعض البصريين : الرِّجزُ والرجس : العذاب{[21793]} والرّجس ( و ){[21794]} النجس : الشيء القذر{[21795]} . وقيل : ( الرجس : اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة{[21796]} ) .


[21737]:ب: يريد.
[21738]:هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو في رواية عقبة عنه، في السبعة 268.
[21739]:ب: مية ومية: و(سكنه هو ينوي معنى التحريك والتشديد) تفسير الطبري 12/107، وانظر: حجة ابن خالويه 149، وحجة ابن زنجلة 271.
[21740]:انظر: تفسير الطبري 12/107.
[21741]:هي قراءة ابن علي وعمر في معاني الفراء 1/253، وعامة قرأة المدينة في تفسير الطبري 12/106، ونافع وعاصم في رواية في السبعة 268.
[21742]:الظاهر من الطمس في (ا) أنها كما أثبت. ب د: فتح، (وهي قراءة قامة المكيين والعراقيين... ويأيتهما (الفتح أو الكسر) قرأ القارئ، فهو مصيب، لاتفاق معننيهما (تفسير الطبري 12/106، 107، وفي (السبعة) أنها قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية 268.
[21743]:انظر: إعراب النحاس 1/579، وحجة ابن خالويه 149، وإعراب مكي 269، والكشف 1/450.
[21744]:ساقطة من ب د.
[21745]:انظر: غريب ابن قتيبة 160.
[21746]:ب د: حكاية.
[21747]:انظر: إعراب النحاس 1/579.
[21748]:ب د: عليه ذلك.
[21749]:انظر: تفسير الطبري 12/98.
[21750]:ب: انفسخ.
[21751]:ب د: الأناية.
[21752]:ب: النجا في عز.
[21753]:انظر: تفسير الطبري 12/101، وهو في معاني الزجاج باختلاف يسير، وأن السائل هو ابن مسعود 2/289.
[21754]:د: تشرح.
[21755]:تفسير الطبري 12/103.
[21756]:ب د: غلبت.
[21757]:انظر: تفسير الطبري 12/103.
[21758]:د: شدة.
[21759]:ب: من عظة.
[21760]:ب د: حرج.
[21761]:د: يدخلها.
[21762]:انظر: تفسير الطبري 12/103، 104، وانظر: تفسير ابن عباس للحرج في معاني الفراء 1/353. وهو قول أهل اللغة في معاني الزجاج 2/290، وانظر: الكشف 1/450، 451.
[21763]:ب د: فقال له.
[21764]:د: قلب الكافر و.
[21765]:انظر: تفسير الطبري 12/104، والرجل الذي سأله عمر راع من كنانة في الكشف 1/450، 451.
[21766]:انظر: تفسير الطبري 12/105، وحجة ابن خالويه 149.
[21767]:د: متلبسا وانظر: تفسير الطبري 12/105.
[21768]:انظر: تفسير الطبري 12/105.
[21769]:مستدركة في (أ) فوق السطر داخل المتن، ساقطة من ب د.
[21770]:ب: دليلا.
[21771]:ساقطة من ب د.
[21772]:ب: فتضيقه.
[21773]:د: مع.
[21774]:انظر: تفسير الطبري 12/108.
[21775]:د: ضرب.
[21776]:انظر: تفسير الطبري 12/109، ومعاني الزجاج 2/290، والكشف 1/451.
[21777]:هي قراءة (عامة قرأة أهل المدينة والعراق) في تفسير الطبري 12/110.
[21778]:ب: بتفعل.
[21779]:مخرومة الآخر في (أ)، والظاهر أنها: اندغم. والإدغام هنا (التاء في الصاد) تفسير الطبري 12/110، ومعاني الزجاج 2/290.
[21780]:مخرومة في أ، د: فعد.
[21781]:الظاهر من الخرم في (أ) أ،ها كما أثبت، د: يضيقه، وانظر: حجة ابن خالويه 149، والكشف 1/451.
[21782]:بعضها مطموس مع بعض الخرم.
[21783]:ب: يصاد وهي قراءة (عاصم في رواية أبي بكر) في السبعة 269، وقال الطبري في تفسيره 12/110: (وقرأ ذلك بعض الكوفيين).
[21784]:ب: فيصاعد. وانظر: معاني الفراء 1/354.
[21785]:أي: (التاء في الصاد) تفسير الطبري 12/110، ومعاني الزجاج 2/290، وحجة ابن زنجلة 271.
[21786]:انظر: الكشف 1/451.
[21787]:د: كقوله.
[21788]:انظر: معاني الفراء 1/253، 254، ومعاني الزجاج 2/290.
[21789]:انظر: معاني الزجاج 1/290.
[21790]:ب د: فيه الرجس.
[21791]:تفسيره 328، وتفسير الطبري 12/111.
[21792]:تفسير الطبري 12/111.
[21793]:انظر: تفسير الطبري 12/112، وهو قول أبي عبيدة في مجازه 1/206.
[21794]:ساقطة من ب د.
[21795]:انظر: تفسير الطبري 12/111، 112.
[21796]:هو قول الزجاج في معانيه 2/290.