تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك ، فاحمد الله أن لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار ، أو نحوهما من الحيوانات ؛ فلهذا قال تعالى : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

ومن مظاهر قدرته وكرمه - أيضاً - أنه - سبحانه - ركبك ووضعك فى أى صورة من الصور المتنوعة التى اقتضتها مشيئته وحكمته .

فقوله : { في أَىِّ صُورَةٍ } متعلق بركبك . و " ما " مزيدة ، و " شاء " صفة لصورة ولم يعطف " ركبك " على ما قبله بالفاء ، كما عطف ما قبله بها ، لأنه بيان لقوله { فَعَدَلَكَ } . والتقدير : فعلدك بأن ركبك فى أى صورة من الصور التى شاءها لك ، وهى صورة فيها ما فيها من العجائب والأسرار ، فضلا عن أنها أحسن صورة وأكملها ، كما قال - تعالى - : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } فالمقصود من الآيات الكريمة ، تذكير الإِنسان بفضل ربه - تعالى - عليه ، وحضه على طاعته وشكره ، وتوبيخه على تقصيره وجحوده ، وتهديده بسوء المصير إذا ما استمر فى غفلته وغروره .

قال بعض العلماء : إن خلق الإِنسان على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة ، الكاملة الشكل والوظيفة . أمر يستحق التدبر الطويل ، والشكر العميق ، والأدب الجم لربه الكريم الذى أكرمه بهذه الخلقة .

وهناك مؤلفات كاملة فى وصف كمال التكوين الإِنسان العضوى ودقته وإحكامه .

كاكتمال التكوين الجسدى ، والعضلى ، والجلدى ، والهضمى ، والدموى والعظمى ، والتنفسى ، والتناسلى ، والعصبى . . للإِنسان .

وإن جزءا من أذن الإِنسان " الأذن الوسطى " لهو سلسلة من نحو أربعة آلاف جزئية دقيقة معقدة ، متدرجة بنظام بالغ الدقة فى الحجم والشكل .

ومركز حاسة الإِبصار فى العين التى تحتوى على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء .

وهى أطراف الأعصاب ، ويقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذى يقيها ليلا ونهارا

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

وقوله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } قال مجاهد : في أي شَبَه أب أو أم أو خال أو عم ؟

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سنان القزاز ، حدثنا مُطَهَّر بن الهيثم ، حدثنا موسى بنُ عُلَيِّ بن رَبَاح ، حدثني أبي ، عن جدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " ما ولد لك ؟ " قال : يا رسول الله ، ما عسى أن يُولَد لي ؟ إما غلام وإما جارية . قال : " فمن يشبه ؟ " . قال : يا رسول الله ، من عسى أن يشبه ؟ إما أباه وإما أمه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها : " مه . لا تقولَنَّ هكذا ، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم ؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } " قال : سَلَكك{[29815]} .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم والطبراني ، من حديث مُطهر بن الهيثم ، به{[29816]} وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية ، ولكن إسناده ليس بالثابت ؛ لأن " مُطَهَّر بن الهيثم " قال فيه أبو سعيد بن يونس : كان متروك الحديث . وقال ابن حبان : يُرْوى عن موسى بن علي وغيره ما لا يُشبهُ حَديثَ الأثبات . ولكن في الصحيحين عن أبي هُرَيرة أن رَجُلا قال : يا رسول الله ، إن امرأتي وَلَدت غُلامًا أسودَ ؟ . قال : " هل لك من إبل ؟ " . قال : نعم . قال : " فما ألوانها ؟ " قال : حُمر . قال : " فهل فيها من أورَق ؟ " قال : نعم . قال : " فأنى أتاها ذلك ؟ " قال : عسى أن يكون نزعة عِرْق . قال : " وهذا عسى أن يكون نزعة عرق " {[29817]} .

وقد قال عكرمة في قوله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } إن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير . وكذا قال أبو صالح : إن شاء في صورة كلب ، وإن شاء في صورة حمار ، وإن شاء في صورة خنزير .

وقال قتادة : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } قال : قادر - والله - ربنا على ذلك . ومعنى هذا القول عند هؤلاء : أن الله ، عز وجل ، قادر على خلق النطفة على شكل قبيح من الحيوانات المنكرة الخلق ، ولكن بقدرته ولطفه وحلمه يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام ، حَسَن المنظر والهيئة .


[29815]:- (3) في م: "شكلك".
[29816]:- (4) المعجم الكبير (5/74).
[29817]:- (5) صحيح البخاري برقم (5305) وصحيح مسلم برقم (1500).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

في أي صورة ما شاء ركبك أي ركبك في أي صورة شاءها و ما مزيدة وقيل شرطية و ركبك جوابها و الظرف صلة عدلك وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك .