يرشد الباري عباده المؤمنين ، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان ، فإن في ذلك عدة مفاسد : منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " فبسبب الإخلال به ، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت ، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه ، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده .
ومنها : أن ذلك يوجب الريبة من الداخل ، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها ، لأن الدخول خفية ، يدل على الشر ، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي : يستأذنوا . سمي الاستئذان استئناسا ، لأن به يحصل الاستئناس ، وبعدمه تحصل الوحشة ، { وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وصفة ذلك ، ما جاء في الحديث : " السلام عليكم ، أأدخل " ؟
{ ذَلِكُمْ } أي : الاستئذان المذكور { خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لاشتماله على عدة مصالح ، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة ، فإن أذن ، دخل المستأذن .
وبعد أن بين - سبحانه - قبح جريمة الزنا . وشناعة جريمة القذف ، وعقوبة كل من يقع فى هاتين الجريمتين ، أتبع ذلك ببيان الآداب التى تحمل المتمسك بها على التحلى بالفضيلة والنقاء والطهر . . . وبدأ - سبحانه - بآداب الاستئذان فقال - تعالى - : { ياأيها الذين . . . . } .
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات ، أن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إنى أكون فى بيتى على حال لا أحب أن يرانى عليها أحد ، لا والد ولا ولد ، فيأتى الأب فيدخل على وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلى وأنا على تلك الحال ، فكيف أصنع ؟ فنزل قوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ } .
فقال أبو بكر - رضى الله عنه - يا رسول الله ، أفرأيت الخانات والمساكن فى طرق الشام ، ليس فيها ساكن ، فأنزل الله - تعالى - : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } .
والمراد بالبيوت فى قوله - تعالى - : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً . . . } البيوت المسكونة من أصحابها ، بدليل قوله - سبحانه - بعد ذلك ، { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } .
وقوله - تعالى - : { تَسْتَأْنِسُواْ } ، من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف ، فهو من آنس الشىء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، ومنه قوله - تعالى - { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً . . } أى : قال لأهله إنى رأيت ناراً .
ويصح أن يكون من الاستئناس الذى هو ضد الاستيحاش ، لأن الذى يقرع الباب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له أهل البيت فى الدخول ، زالت وحشته ، ودخل وهو مرتاح النفس .
وعلى هذا المعنى يكون الكلام من باب المجاز ، حيث أطلق اللازم وهو الاستئناس ، وأريد الملزوم وهو الإذن فى الدخول .
والمعنى : يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم التى تسكنونها ، والتى هى مسكونة لسواكم " حتى تستأنسوا " ، أى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد أذن لكم ، ورضيت نفسه بدخولكم " وتسلموا على أهلها " أى : وتسلموا السلام الشرعى على أهل هذه البيوت الساكنين فيها .
وعبر - سبحانه - عن الاستئذان فى الدخول بالاستئناس ، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به ، واستعدوا لاستقباله ، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه . فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم . كان حسن اللقاء أتم وأكمل .
وعبر - سبحانه - عن الاستئذان فى الدخول بالاستئناس ، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به ، واستعدوا لاستقباله ، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه . فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم . كان حسن اللقاء أتم وأكمل .
وقوله { ذلكم } : أى الاستئناس والتسليم قبل الدخول { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الدخول بدون استئناس أو استئذان أو تسليم .
وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } متعلق بمحذوف ، ولعل هنا للتعليل ، أى : أرشدناكم إلى هذا الأدب السامى ، وبيناه لكم ، كى تعملوا به ، وتكونوا دائما متذكرين له ، وتتركوا اقتحام بيوت غيركم بدون استئذان منهم .
هذه آداب شرعية ، أدّب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الاستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده . وينبغي أن يستأذن ثلاثًا ، فإن أذن له ، وإلا انصرف ، كما ثبت{[20980]} في الصحيح : أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثًا ، فلم يؤذن له ، انصرف . ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له . فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما رَجَعَك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثًا ، فلم يؤذن له ، فلينصرف " . فقال : لَتَأتِيَنَّ على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربًا . فذهب إلى ملأ من الأنصار ، فذكر لهم ما قال عمر ، فقالوا : لا يشهد{[20981]} لك إلا أصغرنا . فقام معه أبو سعيد الخُدْريّ فأخبر عمر بذلك ، فقال : ألهاني عنه الصَّفْق بالأسواق{[20982]} .
وقال الإمام أحمد : حَدَّثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر عن ثابت ، عن أنس - أو : غيره{[20983]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : " السلام عليك ورحمة الله " . فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثًا . ورد عليه{[20984]} سعد ثلاثًا ولم يُسْمعه . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما سلمتَ تسليمة إلا وهي بأذني ، ولقد رَدَدْت عليك ولم أُسْمِعك ، وأردتُ أن أستكثر من سلامك ومن البركة . ثم أدخله البيت ، فقرَّب إليه زَبيبًا ، فأكل نبي الله . فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصَلَّت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " {[20985]} .
وقد رَوَى أبو داود والنسائي ، من حديث أبي عمرو الأوزاعي : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد{[20986]} بن زرارة ، عن قيس بن سعد - هو ابن عبادة - قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " . فردّ سعد ردًا خفيًا{[20987]} ، قال قيس : فقلت : ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ذَرْه{[20988]} يكثر علينا من السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد رَدًا خفيًا{[20989]} ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " ثم رَجَع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، إني كنت أسمع تسليمك ، وأرد عليك ردّا خفيًا{[20990]} ، لتكثر علينا من السلام . قال : فانصرف معه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر له سعد بغسل ، فاغتسل ، ثم ناوله ملْحَفَة مصبوغة ]{[20991]} بزعفران - أو : وَرس - فاشتمل بها ، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : " اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " . قال : ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام ، فلما أراد الانصراف قرّب إليه سعد حمارًا قد وَطَّأ عليه بقطيفة ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس ، اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اركب " . فأبيت ، فقال : " إما أن تركب وإما أن تنصرف " . قال : فانصرفت .
وقد روي هذا من وجه آخر{[20992]} فهو حديث جيد قويّ ، والله أعلم .
ثم ليُعْلمْ أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليَكن{[20993]} البابُ ، عن يمينه أو يساره ؛ لما رواه أبو داود : حدثنا مُؤَمَّل بن الفضل الحراني - في آخرين - قالوا : حدثنا بَقيَّة ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن بُسْر في أ : " وثبت " . {[20994]} قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : " السلام عليكم ، السلام عليكم " . وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور . تَفَرد به أبو داود{[20995]} .
وقال أبو داود أيضًا : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، ( ح ) قال أبو داود : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن طلحة ، عن هُزَيل قال : جاء رجل - قال عثمان : سعد - فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ، فقام على الباب - قال عثمان : مستقبل الباب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هكذا عنك - أو : هكذا - فإنما الاستئذان من النظر " {[20996]} .
وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش عن طلحة بن مُصَرّف ، عن رجل ، عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود من حديثه{[20997]} رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فَخَذَفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " {[20998]} .
وأخرج الجماعة من حديث شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في دَين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال : " من ذا " ؟ قلت : أنا . قال : " أنا ، أنا " كأنه كرهه{[20999]} .
وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يُعرَف صاحبها حتى يُفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ، وإلا فكل أحد يُعبِّر عن نفسه ب " أنا " ، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان ، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية .
وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : الاستئناس : الاستئذان . وكذا قال غيرُ واحد .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بَشَّار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بِشْر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية : { لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا } {[21000]}
قال : إنما هي خطأ من الكاتب ، " حَتَّى تَسْتَأذنُوا وَتُسَلِّمُوا " .
وهكذا رواه{[21001]} هُشَيم ، عن أبي بشر - وهو جعفر بن إياس - به . وروى معاذ بن سليمان ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، بمثله ، وزاد : وكان ابن عباس يقرأ : " حَتَّى تَسْتَأذنُوا وَتُسَلِّمُوا " ، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه .
وقال هُشَيْم{[21002]} أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : في مصحف ابن مسعود : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " . وهذا أيضًا رواية عن ابن عباس ، وهو اختيار ابن جرير .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا رَوْح ، حدثنا ابن جُرَيْج ، أخبرني عمرو بن أبي سفيان : أن عمرو بن أبي صفوان أخبره ، أن كَلَدَةَ بن الحنبل أخبره ، أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بِلبَأ وجَدَايَة وضَغَابيس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي . قال : فدخلتُ عليه ولم أسلم ولم أستأذن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ " وذلك بعدما أسلم صفوان .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج ، به{[21003]} وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .
وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوَص ، عن منصور ، عن رِبْعي قال : حدثنا{[21004]} رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيته ، فقال : أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرج إلى هذا فعلِّمه الاستئذان ، فقل له : قل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ " فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل{[21005]} .
وقال هُشَيْم : أخبرنا منصور ، عن ابن سِيرِين - وأخبرنا يونس بن عبيد ، عن عَمْرو بن سعيد الثقفي - أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج - أو : أنلج ؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له ، يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فعلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن ، فقولي له يقول : السلام عليكم ، أأدخل " . فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : " ادخل " {[21006]} .
وقال الترمذي : حدثنا الفضل بن الصباح ، حدثنا سعيد بن زكريا ، عن عَنْبَسَة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن زاذان ، عن محمد بن المنْكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام قبل الكلام " {[21007]} .
ثم قال الترمذي : عنبسة ضعيف الحديث ذاهب ، ومحمد بن زاذان مُنكَر الحديث .
وقال هُشَيْم : قال مغيرة : قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة ، وقد آذاه الرمضاء ، فأتى فُسْطَاط امرأة من قريش ، فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ قالت : ادخل بسلام . فأعاد ، فأعادت ، وهو يُرَاوح بين قدميه ، قال : قولي : ادخل . قالت : ادخل ، فدخل{[21008]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم الأحول ، حدثنا خالد بن إياس ، حدثتني جدتي أم إياس قالت : كنت في أربع نسوة نستأذن [ على عائشة ]{[21009]} فقلت : ندخل ؟ قالت : لا قلن{[21010]} لصاحبتكن : تستأذن . فقالت : السلام عليكم ، أندخل ؟ قالت : ادخلوا ، ثم قالت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } [ الآية ]{[21011]} .
وقال هُشَيْم : أخبرنا أشعث بن سَوَّار ، عن كُرْدُوس ، عن ابن مسعود قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم . قال أشعث ، عن عدي بن ثابت : إن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها ، والد ولا ولد ، وإنه لا يزال يدخل عليَّ رجل من أهلي ، وأنا على تلك الحال ؟ قال : فنزلت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا }{[21012]} .
وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : ثلاث آيات جَحَدها الناس : قال الله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] ، قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتًا . قال : والإذن كله قد جحده الناس . قال : قلت : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري ، معي في بيت واحد ؟ قال : نعم . فرددت ليرخِّص{[21013]} لي ، فأبى . قال : تحب أن تراها عريانة ؟ قلت : لا . قال : فاستأذن . قال : فراجعته أيضًا ، فقال : أتحب أن تطيع الله ؟ قلت : نعم . قال : فاستأذن .
قال ابن جُرَيْج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال : ما من امرأة أكره إلي أن أرى عريتها من ذات محرم . قال : وكان يشدد في ذلك .
وقال ابن جريج ، عن الزهري : سمعت هُزَيل بن شُرَحْبِيل الأوْدِيّ الأعمى ، أنه سمع ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم .
وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته ؟ قال : لا .
وهذا محمول على عدم الوجوب ، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به ، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا القاسم ، [ قال ]{[21014]} حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أخي زينب - امرأة عبد الله بن مسعود - ، عن زينب ، رضي الله عنها ، قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق ؛ كراهية{[21015]} أن يهجُم منا على أمر يكرهه{[21016]} . إسناد صحيح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان الواسطي ، حدثنا عبد الله بن نُمَيْر ، حدثنا
الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي هُبَيْرة{[21017]} قال : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس - تكلم ورفع صوته .
[ و ]{[21018]} قال مجاهد : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قال : تنحنحوا - أو{[21019]} تَنَخَّموا .
وعن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، أنه قال : إذا دخل الرجل بيته ، استحب له أن يتنحنح ، أو يحرك نعليه .
ولهذا جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نَهَى أن يطرق الرجل أهلَه طُروقًا - وفي رواية : ليلا يَتَخوَّنهم{[21020]} .
وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهارًا ، فأناخ بظاهرها ، وقال : " انتظروا حتى تدخل عشاء - يعني : آخر النهار - حتى تمتشط الشَّعثَة وتستحدّ المُغَيبة " {[21021]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدَّثنا أبي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن{[21022]} بن سليمان ، عن واصل بن السائب ، حدَّثني أبو سَوْرة ابن أخي أبي أيوب ، عن أبي أيوب قال : قلت : يا رسول الله ، هذا السلام ، فما الاستئناس ؟ قال : " يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ، ويتنحنح فَيؤذنُ أهل البيت " . هذا حديث غريب{[21023]} .
وقال قتادة في قوله : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قال : هو الاستئذان . [ قال : وكان يقال : الاستئذان ]{[21024]} ثلاث ، فمن لم يؤذن له فيهن ، فليرجع . أما الأولى : فليسمع{[21025]} الحي ، وأما الثانية : فليأخذوا حذرهم ، وأما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا رَدّوا . ولا تَقِفَنَّ على باب قوم ردوك عن بابهم ؛ فإن للناس حاجات ولهم أشغال ، والله أولى بالعذر .
وقال مقاتل بن حيَّان في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه ، لا يسلم عليه ، ويقول : حُيِّيتَ صباحًا وحييت مساء ، وكان ذلك تحية القوم بينهم . وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ، ويقول : " قد دخلتُ " . فيشق ذلك على الرجل ، ولعله يكون مع أهله ، فغَيَّر الله ذلك كله ، في ستر وعفة ، وجعله نقيًا نزهًا من الدنس والقذر والدرَن ، فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } .
وهذا الذي قاله مقاتل حسن ؛ ولهذا قال : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ } يعني : الاستئذان خير لكم ، بمعنى : هو خير للطرفين{[21026]} : للمستأذن ولأهل البيت ، { . لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .