التفسير : الحكم الرابع الاستئذان : لما كانت الخلوة طريقاً إلى التهمة ولذلك وجد أهل الإفك سبيلاً إلى إفكهم شرع أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان . وفي الآية أسئلة : الأول الاستئناس هو الأنس الحاصل بعد المجانسة قال الله تعالى { ولا مستأنسين لحديث } [ الأحزاب : 53 ] ولا يكون ذلك في الأغلب إلا بعد الدخول والسلام ، فلم عكس هذا الترتيب في الآية ؟ جوابه بعد تسليم أن الواو للترتيب ، هو أن الاستئناس طلب الأنس وأنه مقدم على السلام . وقال جار الله : هو من باب الكفاية والإرداف لأن الأنس الذي هو خلاف الوحشة يردف الإذن فوضع موضع الإذن كأنه قيل : حتى يؤذن لكم . أو هو استفعال من آنس إذا أبصر ، فالمراد حتى تستكشفوا الحال ويبين هل يراد دخولكم أم لا . أو هو من الإنس بالكسر وهو أن يتعرف هل ثمَّ إنسان لأنه لا معنى للسلام ما لم يعلم أفي البيت إنسان أم لا . وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : إنما هو " حتى تستأذنوا " فأخطأ الكاتب ولا يخفى ضعف هذه الرواية لأنها توجب الطعن في المتواتر وتفتح باب القدح في القرآن كله نعوذ بالله منه . الثاني : ما الحكمة في شرع الاستئذان ؟ الجواب : كيلا يطلع الداخل على عورات ، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه ، ولئلا يوقف على الأحوال التي تخفيها الناس في العادة ، ولأنه تصرف في ملك الغير فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب ولذلك قال سبحانه { ذلكم } يعني الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور أي الدخول من غير إذن .
قال صلى الله عليه وسلم " من سبقت عينه استئذانه فقد دمر " واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب { لعلكم تذكرون } أي أنزل عليكم . أو قيل لكم : هذا إرادة أن تتعظوا أو تعملوا به . الثالث : كيف يكون الاستئذان ؟ جوابه : استأذن رجل على رسول الله فقال : ألج . فقال : لامرأة يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فعلميه فإنه لا يحسن أن يستأذن قولي له يقول " السلام عليكم أدخل " فسمع الرجل فقالها فقال : ادخل . ويؤيده قراءة عبد الله { حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا } وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد فمنع الله تعالى عن ذلك وعلم الأدب الأحسن . وعن مجاهد حتى تستأنسوا هو التنحنح ونحوه . وقال عكرمة : هو التسبيح والتكبير وقرع الباب بعنف والتصبيح بصاحب الدار منهي عنه وكذا كل ما يؤدي غلى الكراهية وينبئ عن الثقل . الرابع : كم عدد الاستئذان ؟ الجواب روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون والثانية يستصلحون والثالثة يأذنون أو يردون " ومثله عن أبي موسى الأشعري وقصته مع عمر مشهورة في ذلك . وعن قتادة الاستئذان ثلاثة : الأول يسمع الحي : الثاني ليتهيأ . والثالث إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا ردوا . وينبغي أني كون بين المرات فاصلة وإلا كان الكل في حكم واحد . الخامس : كيف يقف على الباب ؟ جوابه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكنه يقف من ركنه الأيمن أو الأيسر ، فإن كان للباب ستر كانت الكراهية أخف . السادس : قوله { حتى تستأنسوا وتسلموا } يدل على أنه يجوز الدخول بعد الاستئذان والتسليم وإن لم يكن ثمة إذن أو من يأذن لأن " حتى " للغاية والحكم بعد الغاية يكون خلاف ما قبلها جوابه .
سلمنا المخالفة لكن لا نسلم المناقضة ، وذلك أن قبل الاستئذان لا يجوز الدخول مطلقاً وبعده فيه تفصيل ، وهو أنه إن لم يجد فيها أحداً من الآذنين مطلقاً أو من يعتبر إذنه شرعاً فليس له الدخول وذلك قوله : { فإن لم تجدوا فيها أحداً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.