غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (27)

27

التفسير : الحكم الرابع الاستئذان : لما كانت الخلوة طريقاً إلى التهمة ولذلك وجد أهل الإفك سبيلاً إلى إفكهم شرع أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان . وفي الآية أسئلة : الأول الاستئناس هو الأنس الحاصل بعد المجانسة قال الله تعالى { ولا مستأنسين لحديث } [ الأحزاب : 53 ] ولا يكون ذلك في الأغلب إلا بعد الدخول والسلام ، فلم عكس هذا الترتيب في الآية ؟ جوابه بعد تسليم أن الواو للترتيب ، هو أن الاستئناس طلب الأنس وأنه مقدم على السلام . وقال جار الله : هو من باب الكفاية والإرداف لأن الأنس الذي هو خلاف الوحشة يردف الإذن فوضع موضع الإذن كأنه قيل : حتى يؤذن لكم . أو هو استفعال من آنس إذا أبصر ، فالمراد حتى تستكشفوا الحال ويبين هل يراد دخولكم أم لا . أو هو من الإنس بالكسر وهو أن يتعرف هل ثمَّ إنسان لأنه لا معنى للسلام ما لم يعلم أفي البيت إنسان أم لا . وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : إنما هو " حتى تستأذنوا " فأخطأ الكاتب ولا يخفى ضعف هذه الرواية لأنها توجب الطعن في المتواتر وتفتح باب القدح في القرآن كله نعوذ بالله منه . الثاني : ما الحكمة في شرع الاستئذان ؟ الجواب : كيلا يطلع الداخل على عورات ، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه ، ولئلا يوقف على الأحوال التي تخفيها الناس في العادة ، ولأنه تصرف في ملك الغير فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب ولذلك قال سبحانه { ذلكم } يعني الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور أي الدخول من غير إذن .

قال صلى الله عليه وسلم " من سبقت عينه استئذانه فقد دمر " واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب { لعلكم تذكرون } أي أنزل عليكم . أو قيل لكم : هذا إرادة أن تتعظوا أو تعملوا به . الثالث : كيف يكون الاستئذان ؟ جوابه : استأذن رجل على رسول الله فقال : ألج . فقال : لامرأة يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فعلميه فإنه لا يحسن أن يستأذن قولي له يقول " السلام عليكم أدخل " فسمع الرجل فقالها فقال : ادخل . ويؤيده قراءة عبد الله { حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا } وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل ، فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد فمنع الله تعالى عن ذلك وعلم الأدب الأحسن . وعن مجاهد حتى تستأنسوا هو التنحنح ونحوه . وقال عكرمة : هو التسبيح والتكبير وقرع الباب بعنف والتصبيح بصاحب الدار منهي عنه وكذا كل ما يؤدي غلى الكراهية وينبئ عن الثقل . الرابع : كم عدد الاستئذان ؟ الجواب روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون والثانية يستصلحون والثالثة يأذنون أو يردون " ومثله عن أبي موسى الأشعري وقصته مع عمر مشهورة في ذلك . وعن قتادة الاستئذان ثلاثة : الأول يسمع الحي : الثاني ليتهيأ . والثالث إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا ردوا . وينبغي أني كون بين المرات فاصلة وإلا كان الكل في حكم واحد . الخامس : كيف يقف على الباب ؟ جوابه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكنه يقف من ركنه الأيمن أو الأيسر ، فإن كان للباب ستر كانت الكراهية أخف . السادس : قوله { حتى تستأنسوا وتسلموا } يدل على أنه يجوز الدخول بعد الاستئذان والتسليم وإن لم يكن ثمة إذن أو من يأذن لأن " حتى " للغاية والحكم بعد الغاية يكون خلاف ما قبلها جوابه .

سلمنا المخالفة لكن لا نسلم المناقضة ، وذلك أن قبل الاستئذان لا يجوز الدخول مطلقاً وبعده فيه تفصيل ، وهو أنه إن لم يجد فيها أحداً من الآذنين مطلقاً أو من يعتبر إذنه شرعاً فليس له الدخول وذلك قوله : { فإن لم تجدوا فيها أحداً } .

/خ34