فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (27)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { 27 ) }

{ بيوتكم } بيوت سكنكم .

{ تستأنسوا } تطلبوا علم من في الدار بوجودكم ، وطلب الإذن لكم .

{ وتسلموا } تقولوا : السلام عليكم .

{ خير } هو الخير .

{ تذكرون } تتذكرون به وتتعظون فتعملوا بمقتضاه .

نهى الله تعالى المؤمنين عن دخول بيوت يسكنها غيرهم ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أمهاتهم إلا بعد أن يعلموا ساكنيها ويطلبوا إذنهم ، ويسلموا عليهم ، فإن ذلك الاستئناس والسلام وطلب الإذن قبل الدخول خير ، يحفظ على الزائر والمزور حياءهما وقدرهما ، وصفاء ود كل منهما لصاحبه ؛ وتبارك الحكيم العليم الذي شرع ما به تمام النعمة .

وقيل : الاستئناس خلاف الاستيحاش فهو من الأنس [ بالضم ] خلاف الوحشة ، والمراد به المأذونية فكأنه قيل : حتى يؤذن لكم ، فإن من يطرق بيت غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش . فإذا أذن له استأنس . . { وتسلموا على أهلها } أي الساكنين فيها ، وظاهر الآية أن الاستئذان قبل التسليم وبه قال بعضهم ؛ وقال النووي : الصحيح المختار تقديم التسليم على الاستئذان .

{ خير لكم } من الدخول بغتة ، والدخول على تحية الجاهلية ، فقد كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بيتا غير بيته يقول : حييتم صباحا ، حييتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف . . . وجوز أن يكون { خير } صفة . . وقوله تعالى : { لعلكم تذكرون } تعليل على ما اختاره جمع لمحذوف ، أي : أرشدتم إلى ذلك ، أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه .

وجاء في تفسير القرآن العظيم : هذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين . . أمرهم أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده . وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات ، فإن أذن له وإلا انصرف ، كما ثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له انصرف ، ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له ، فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك ؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف " فقال عمر : لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا ، فذهب إلى ملأ من الأنصار ، فذكر لهم ما قال عمر ، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا ، فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق . . وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح " وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر " قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال : " من ذا " ؟ فقلت : أنا ، قال : " أنا أنا " كأنه كرهه ، وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا ، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان الذي هو الاستئناس{[2493]} المأمور به في الآية{[2494]} اه .


[2493]:في سنن ابن ماجة ـ بسنده ـ عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت" يقول بعض المفسرين: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان، كما قال مجاهد ومن وافقه.
[2494]:روى الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية ـ عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن، فأنزل الله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة..}