تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

فأرسل اللّه لوطا إلى قومه ، وكانوا مع شركهم ، قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور ، وتقطيع السبيل ، وفشو المنكرات في مجالسهم ، فنصحهم لوط عن هذه الأمور ، وبيَّن لهم قبائحها في نفسها ، وما تئول إليه من العقوبة البليغة ، فلم يرعووا ولم يذكروا . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }

فأيس منهم نبيهم ، وعلم استحقاقهم العذاب ، وجزع من شدة تكذيبهم له ، فدعا عليهم و

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

وقوله - سبحانه - : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر . . } بيان لتلك الفاحشة التى كانوا يقترفونها ، والاستفهام للتأنيب والتقريع .

والسبيل : الطريق . والنادى : اسم جنس للمكان الذى يجتمع فيه الناس لأمر من الأمور ، أى : أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وتقطعون الطريق على المارة ، بأن تنتهبوا أموالهم ، أو بأن تكرهوهم إكراها على ارتكاب الفاحش معهم ، أو بأن تعتدوا عليهم بأى صورة من الصور ، وفضلا عن كل ذلك فإنكم ترتكبون المنكرات فى مجالسكم الخاصة ، وفى نواديكم التى تتلاقون فيها .

فأنت ترى أن نبيهم - عليه السلام - قد وصفهم بأوصاف ، كل صفة أقبح من سابقتهان والباعث لهم على ارتكاب تلك المنكرات ، هو انتكاس فطرتهم ، وفساد نفوسهم ، وشذوذ شهواتهم .

فماذا كان جوابهم على نبيهم - عليه السلام - ؟ لقد كان جوابهم فى غاية التبجح والسفاهة ، وقد حكاه القرآن فى قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .

أى : فما كان جواب قوم لوط عليه ، إلا أن قالوا له على سبيل الاستخفاف بوعظه وزجره : ائتنا يا لوط بعذاب الله الذى تتوعدنا به ، إن كنت صادقا فى دعواك انك رسول ، وفى دعواك أن عذابا سينزل علينا ، بسبب أفعالنا هذه التى ألفناها وأحببناها .

وهكذا نرى أن هؤلاء المجرمين ، قد قابلوا نصح نبيهم تارة بالاستخاف والاستهزاء كما هنا ، وتارة بالتهديد والوعيد ، كما فى قوله - تعالى - : { أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

14

يأتون الرجال . وهي فاحشة شاذة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفسادها من أعماقها . فالفطرة قد تفسد بتجاوز حد الاعتدال والطهارة مع المرأة ، فتكون هذه الجريمة فاحشة ، ولكنها داخلة في نطاق الفطرة ومنطقها . فأما ذلك الشذوذ الآخر فهو انخلاع من فطرة الأحياء جميعا . وفساد في التركيب النفسي والتركيب العضوي سواء . فقد جعل الله لذة المباشرة الجنسية بين الزوجين متناسقة مع خط الحياة الأكبر ، وامتداده بالنسل الذي ينشأ عن هذه المباشرة . وجهز كيان كل من الزوجين بالإستعداد للإلتذاذ بهذه المباشرة ، نفسيا وعضويا ، وفقا لذلك التناسق ، فأما المباشرة الشاذة فلا هدف لها ، ولم يجهز الله الفطرة بالتذاذها تبعا لانعدام الهدف منها . فإذا وجد فيها أحد لذة فمعنى هذا أنه انسلخ نهائيا من خط الفطرة ، وعاد مسخا لا يرتبط بخط الحياة !

ويقطعون السبيل ، فينهبون المال ، ويروعون المارة ، ويعتدون على الرجال بالفاحشة كرها . وهي خطوة أبعد في الفاحشة الأولى ، إلى جانب السلب والنهب والإفساد في الأرض . .

ويأتون في ناديهم المنكر . يأتونه جهارا وفي شكل جماعي متفق عليه ، لا يخجل بعضهم من بعض . وهي درجة أبعد في الفحش ، وفساد الفطرة ، والتبجح بالرذيلة إلى حد لا يرجى معه صلاح !

والقصة هنا مختصرة ، وظاهر أن لوطا أمرهم في أول الأمر ونهاهم بالحسنى ؛ وأنهم أصروا على ما هم فيه ، فخوفهم عذاب الله ، وجبههم بشناعة جرائمهم الكبرى :

( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا : ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) . .

فهو التبجح في وجه الإنذار ، والتحدي المصحوب بالتكذيب ، والشرود الذي لا تنتظر منه أوبة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

{ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر }

وجملة { أينكم لتأتون الرجال } الخ بدل اشتمال من مضمون جملة { لتأتون الفاحشة } ، باعتبار ما عطف

على جملة { أئنكم لتأتون الرجال } من قوله { وتقطعون السبيل } الخ لأن قطع السبيل وإتيان المنكر في ناديهم مما يشتمل عليه إتيان الفاحشة .

وأدخل استفهام الإنكار على جميع التفصيل وأعيد حرف التأكيد لتتطابق جملة البدل مع الجملة المبدل منها لأنها الجزء الأول من هذه الجملة المبدلة عند قطع النظر عما عطف عليها تكون من الجملة المبدل منها بمنزلة البدل المطابق .

وقطع السبيل : قطع الطريق ، أي التصدي للمارين فيه بأخذ أموالهم أو قتل أنفسهم أو إكراههم على الفاحشة . وكان قوم لوط يقعدون بالطرق ليأخذوا من المارة من يختارونه .

فقطع السبيل فساد في ذاته وهو أفسد في هذا المقصد . وأما إتيان المنكر في ناديهم فإنهم جعلوا ناديهم للحديث في ذكر هذه الفاحشة والاستعداد لها ومقدماتها كالتغازل برمي الحصى اقتراعاً بينهم على من يرومونه ، والتظاهر بتزيين الفاحشة زيادة في فسادها وقبحها لأنه معين على نبذ التستر منها ومعين على شيوعها في الناس .

وفي قوله { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } تشديد في الإنكار عليهم في أنهم الذين سنوا هذه الفاحشة السيئة للناس وكانت لا تخطر لأحد ببال ، وإن كثيراً من المفاسد تكون الناس في غفلة عن ارتكابها لعدم الاعتياد بها حتى إذا أقدم أحد على فعلها وشوهد ذلك منه تنبهت الأذهان إليها وتعلقت الشهوات بها .

والنادي : المكان الذي ينتدي فيه الناس ، أي يجتمعون نهاراً للمحادثة والمشاورة وهو مشتق من النَدْو بوزن العفو وهو الاجتماع نهاراً . وأما مكان الاجتماع ليلاً فهو السامر ، ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يسم نادياً .

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ من الصادقين }

الكلام فيه كالقول في نظيره المتقدم آنفاً في قوله { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه } [ العنكبوت : 24 ] الآية ، والأمر في { ائتنا بعذاب الله } للتعجيز وهو يقتضي أنه أنذرهم العذاب في أثناء دعوته . ولم يتقدم ذكر ذلك في قصة لوط فيما مضى لكن الإنذار من شؤون دعوة الرسل .