تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

فتتفطر به السماء وتنتثر به نجومها { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا } أي : لا بد من وقوعه ، ولا حائل دونه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

ثم ذكرهم - سبحانه - بأهوال يوم القيامة ، لعلهم يتعظون أو يرتدعون فقال : { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً . السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } .

والاستفهام فى قوله : { فَكَيْفَ } مستعمل فى التوبيخ والتعجيز ، و { تَتَّقُونَ } بمعنى تصونون أنفسكم من العذاب ، ومعنى { إِن كَفَرْتُمْ } إن بقيتم على كفركم وأصررتم عليه . وقوله { يَوْماً } : منصوب على أنه مفعول به لقوله : { تَتَّقُونَ }

وقوله : { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } صفة ثانية لهذا اليوم .

والمراد بالولدان : الأطفار الصغار ، وبه بمعنى فيه . .

والمقصود بهاتين الآيتين - أيضا - تأكيد التهديد للمشركين ، حتى يقلعوا عن شركهم وكفرهم . . أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم من سوء عاقبة المكذبين ، فكيف تصونون أنفسكم - إذا ما بقيتم على كفركم - من عذاب يوم هائل شديد ، هذا اليوم من صفاته أنه يحول الشعر الشديد السواد للولدان ، إلى شعر شديد البياض .

.

وهذا اليوم من صفاته - أيضا - أنه لشدة هوله ، أن السماء - مع عظمها وصلابتها - تصير شيئا منفطرا - أى : متشققا { به } أى : فيه ، والضمير يعود إلى اليوم . .

وصدر - سبحانه - الحديث عن يوم القيامة ، بلفظ الاستفهام " كيف " للإِشعار بشدة هوله . وأنه يعجز الواصفون عن وصفه .

ووصف - سبحانه - هذا اليوم بأنه يشيب فيه الولدان ، ثم وصفه بأن السماء مع عظمها تتشقق فيه ، للارتقاء فى الوصف من العظيم إلى الأعظم ، إذ أن تحول شعر الأطفال من السواد

إلى البياض - مع شدته وعظمه - أشد منه وأعظم ، انشقاق السماء فى هذا اليوم .

قال صاحب الكشاف : وقوله { يَجْعَلُ الولدان شِيباً } مثل فى الشدة ، يقال فى اليوم الشديد ، يوم يشيب نواصى الأطفال والأصل فيه أن الهموم والأحزان ، إذا تفاقمت على الإِنسان ، أسرع فيه الشيب ، كما قال أبو الطيب :

والهَمُّ يَخْتَرِم الجسيمَ نحافةً . . . ويُشِيبُ ناصيةَ الصبى ويُهْرِم

ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب . وقوله : { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } وصف لليوم بالشدة - أيضا - وأن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه فما ظنك بغيرها من الخلائق . .

ووصف - سبحانه - السماء بقوله : { مُنفَطِرٌ } بصيغة التذكير ، حيث لم يقل منفطرة ، لأن هذه الصيغة ، صيغة نسب . أى : ذات انفطار ، كما فى قولهم : امرأة مرضع وحائض ، أى : ذات إرضاع وذات حيض . أو على تأويل أن السماء بمعنى السقف ، كما فى قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً } أو على أن السماء اسم جنس واحده سماوة ، فيجوم وصفه بالتذكير والتأنيث .

وقوله : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } الضمير فيه يعود إلى الخالق - عز وجل - والوعد مصدر مضاف لفاعله . أى : كان وعد ربك نافذا ومفعولا ، لأنه - سبحانه - لا يخلف موعوده .

ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة ثالثة لليوم ، والضمير فى وعده يعود إليه ، ويكون من إضافة المصدر لمفعوله . أى : كان الوعد بوقوع يوم القيامة نافذا ومفعولا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا ؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب ?

( فكيف تتقون - إن كفرتم - يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ? ) . .

وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء ، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال . وإنها لتشيب الولدان . وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة ، وفي الإنسانية الحية . . في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة . . ثم يؤكدها تأكيدا . ( كان وعده مفعولا ) . . واقعا لا خلف فيه . وهو ما شاء فعل وما أراد كان !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا} (18)

وذكر انفطار السماء في ذلك اليوم زيادة في تهويل أحواله لأن ذلك يزيد المهددين رعباً وإن لم يكن انفطار السماء من آثار أعمالهم ولا لَه أثر في زيادة نكالهم .

ويجوز أن تجعل جملة { السماء منفطر به } مستأنفة معترضة بين جملة { فكيف تتقون } الخ ، وجملة { كان وعده مفعولاً } والباء للسببية ويكون الضمير المجرور بالباء عائداً إلى الكفر المأخوذ من فعل { كفرتم } .

ويجوز أن يكون الإِخبار بانفطار السماء على طريقة التشبيه البليغ ، أي كالمنفطر به فيكون المعنى كقوله تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمان ولداً لقد جئتم شيئاً إدَّاً يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً } [ مريم : 88 90 ] .

ووصف السماء بمنفطر بصيغة التذكير مع أن السماء في اللغة من الأسماء المعتبرة مؤنثة في الشائع . قال الفراء : السماء تذكَّر على التأويل بالسقف لأن أصل تسميتها سماءً على التشبيه بالسقف ، أي والسقف مُذكر والسماء مؤنث . وتبعه الجوهري وابن برّي . وأنشد الجوهري على ذلك قول الشاعر :

فلو رَفع السماءُ إليه قوماً *** لحقنا بالسماء مع السحاب

وأنشد ابن برّي أيضاً في تذكير السماء بمعنى السقف قول الآخر :

وقالت سماءُ البيت فوقَك مُخْلَقٌ *** ولمَّا تَيَسَّر اجْتِلاَءُ الركَائب

ولا ندري مقدار صحة هاذين الشاهدين من العربية على أنه قد يكونان من ضرورة الشعر . وقيل : إذا كان الاسم غير حقيقي التأنيث جاز إجراء وصفه على التذكير فلا تلحقه هاء التأنيث قياساً على الفعل المسند للمؤنث غير حقيقي التأنيث في جواز اقترانه بتاء التأنيث وتجريده منها ، إجراء للوصف مجرى الفعل وهو وجيه .

ولعل العدول في الآية عن الاستعمال الشائع في الكلام الفصيح في إجراء السماء على التأنيث ، إلى التذكير إيثاراً لتخفيف الوصف لأنه لما جيء به بصيغة منفعل بحرفي زيادة وهما الميم والنون كانت الكلمة معرضة للثقل إذا ألحق بها حرف زائد آخر ثالث ، وهو هاء التأنيث فيحصل فيها ثقل يجنَّبه الكلام البالغ غاية الفصاحة ألا ترى أنها لم تجر على التذكير في قوله : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] إذ ليس في الفعل إلاّ حرف مزيد واحد وهو النون إذ لا اعتداد بهمزة الوصل لأنها ساقطة في حالة الوصل ، فجاءت بعدها تاء التأنيث .

وجملة { كان وعده مفعولاً } صفة أخرى ل { يوماً } ، وهذا الوصف إدماج للتصريح بتحقيق وقوع ذلك اليوم بعد الإِنذار به الذي هو مقتض لوقوعه بطريق الكناية استقصاء في إبلاغ ذلك إلى علمهم وفي قطع معذرتهم .

وضمير { وعده } عائد إلى { يوماً } الموصوف ، وإضافة ( وعد ) إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله على التوسع ، أي الوعد به ، أي بوقوعه .