{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
لما ذكر جزاء الكافرين ، ذكر جزاء المؤمنين ، أهل الأعمال الصالحات ، على طريقته تعالى في القرآن{[71]} يجمع بين الترغيب والترهيب ، ليكون العبد راغبا راهبا ، خائفا راجيا فقال : { وَبَشِّرِ } أي : [ يا أيها الرسول ومن قام مقامه ]{[72]} { الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم ، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة .
ووصفت أعمال الخير بالصالحات ، لأن بها تصلح أحوال العبد ، وأمور دينه ودنياه ، وحياته الدنيوية والأخروية ، ويزول بها عنه فساد الأحوال ، فيكون بذلك من الصالحين ، الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته .
فبشرهم { أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ } أي : بساتين جامعة من الأشجار العجيبة ، والثمار الأنيقة ، والظل المديد ، [ والأغصان والأفنان وبذلك ]{[73]} صارت جنة يجتن بها داخلها ، وينعم فيها ساكنها .
{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أي : أنهار الماء ، واللبن ، والعسل ، والخمر ، يفجرونها كيف شاءوا ، ويصرفونها أين أرادوا ، وتشرب{[74]} منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار .
{ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } أي : هذا من جنسه ، وعلى وصفه ، كلها متشابهة في الحسن واللذة ، ليس فيها ثمرة خاصة ، وليس لهم وقت خال من اللذة ، فهم دائما متلذذون بأكلها .
وقوله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قيل : متشابها في الاسم ، مختلف الطعوم{[75]} وقيل : متشابها في اللون ، مختلفا في الاسم ، وقيل : يشبه بعضه بعضا ، في الحسن ، واللذة ، والفكاهة ، ولعل هذا الصحيح{[76]} .
ثم لما ذكر مسكنهم ، وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم ، ذكر أزواجهم ، فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه ، وأوضحه فقال : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } فلم يقل " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير ، فهن مطهرات الأخلاق ، مطهرات الخلق ، مطهرات اللسان ، مطهرات الأبصار ، فأخلاقهن ، أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن ، وحسن التبعل ، والأدب القولي والفعلي ، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني ، والبول والغائط ، والمخاط والبصاق ، والرائحة الكريهة ، ومطهرات الخلق أيضا ، بكمال الجمال ، فليس فيهن عيب ، ولا دمامة خلق ، بل هن خيرات حسان ، مطهرات اللسان والطرف ، قاصرات طرفهن على أزواجهن ، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح .
ففي هذه الآية الكريمة ، ذكر المبشِّر والمبشَّر ، والمبشَّرُ به ، والسبب الموصل لهذه البشارة ، فالمبشِّر : هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته ، والمبشَّر : هم المؤمنون العاملون الصالحات ، والمبشَّر به : هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات ، والسبب الموصل لذلك ، هو الإيمان والعمل الصالح ، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة ، إلا بهما ، وهذا أعظم بشارة حاصلة ، على يد أفضل الخلق ، بأفضل الأسباب .
وفيه استحباب بشارة المؤمنين ، وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [ وثمراتها ] ، فإنها بذلك تخف وتسهل ، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان ، توفيقه للإيمان والعمل الصالح ، فذلك أول البشارة وأصلها ، ومن بعده البشرى عند الموت ، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم ، نسأل الله أن يجعلنا منهم{[77]} .
وبعد أن ذكر القرآن الكفار ومآلهم ، عطف على ذلك ذكر المؤمنين وما يفوزون به من نعيم في حياتهم الباقية ، كما هي سنة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد فقال - تعالى - :
{ وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا . . . }
البشارة : الخبر السار فهو أخص من الخبر ، سمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهي ظاهر جلد الإِنسان ، والمأمور بالتبشير هو النبي صلى الله عليه وسلم أو كل من يتأتى منه تفخيماً لأمره ، وتعظيماً لشأنه .
والصلاحات : جمع صالحة وهي الفعلة الحسنة ، وهي من الصفات التي جرت مجرى الأسماء في إيلائها العوامل .
والجنات : جمع جنة ، وهي كل بستان ذي شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظل ما تحته ويستره ، من الجن وهو ستر الشيء عن الحاسة ، ثم صارت الجنة اسماً شرعياً لدار النعيم في الآخرة ، وهي سبع درجات : جنة الفردوس ، وجنة عدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ، وعليون . . . وتتفاوت منازل المؤمنين في كل درجة بتفاوت الأعمال الصالحة . والأنهار جمع نهر - بفتح الهاء وسكونها والفتح أفصح - وهو الأخدود الذي يجري فيه الماء على الأرض ، وهو مشتق من مادة نهر الدالة على الانشقاق والاتساع ، ويكون كبيراً أو صغيراً . وأسند إليه الجرى في الآية مع أن الذي يجري في الحقيقة هو الماء ، أخذاً بفن معروف بين البلغاء ، وهو إسناد الفعل إلى مكانه ، توسعاً في أساليب البيان .
وقوله : " من تحتها " وارد على طريقة الإِيجاز بحذف كلمة " أشجار " اعتماداً على تبادرها إلى الذهن ، والمعنى : تجري من تحت أشجارها الأنهار . ثم بين - سبحانه - أحوال هؤلاء المؤمنين الصالحين فقال : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } أي : إن سكان الجنة كلما رزقوا في الجنة ثمرة من ثمراتها ، وجدوها مثل الذي رزقوه فيها من قبل ، في بلوغه الغاية من حسن المنظر ولذة الطعم .
وفي هذا إِشارة إلى أن ثمار الجنة متماثلة في حسن منظرها ، ولذة طعمها بحيث لا تفضل ثمرة في ذلك على أخرى ، فجميع ثمرها يسر له القلب ، ويستحليه الذوق ، وإن اختلفت المناظر والطعوم .
ثم قال - تعالى { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } أي : يشبه بعضه بعضاً في الصورة والرائحة ، ويختلف في اللذة والطعم ، أو في المزية والحسن ، وعن ابن عباس : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي " ؛ وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها في معنى أن كل ثمر يشابه ما قبله في حسن المنظر ولذة الطعم مشابهة لا يفضل فيها ثمر الدنيا ، فإنه يتفاوت في مناظره حسناً ، وفي طعومه لذة .
ويرى بعض العلماء حمل قوله - تعالى - : { قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } على تقدير : من قبل دخول الجنة ، أي هذا الذي رزقناه في الدنيا ، وإلى هذا الرأي مال صاحب الكشاف فقد قال : " فإن قلت : كيف قيل .
" هذا الذي رزقنا من قبل ؟ وكيف تكون ذات الحاضر عندهم في الجنة هي ذات الذي رزقوه في الدنيا ؟ قلت : معناه هذا مثل الذي رزقناه من قبل وشبهه ، بدليل قوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : { وَأُتُواْ بِهِ } ؟ قلت : إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً ، لأن قوله : { هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين . فإن قلت : لأي غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة ؟ قلت : لأن الإِنسان بالمألوف آنس ؛ وإلى المعهود أميل ، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عن طبعه ، وعافته نفسه "
ثم قال - تعالى - : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
الأزواج : جمع زوج وهي المرأة يختص بها الرجل ، والضمير في " فيها " يعود إلى الجنات . والمعنى : أن لهؤلاء المؤمنين نساء مختصات بهم ، مطهرات غاية التطهير من كل دنس وقذر ، حسى ومعنى ، لا كنساء الدنيا ، وهم في هذه الجنات باقون على الدوام ، لأن النعيم إنما يتم باطمئنان صاحبه على أنه دائم ، أما إذا كان محتملا للزوال فإن صاحبه يبقى منغص البال ، إذ سيذكر أنه سيفقده في يوم من الأيام ، فجملة { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } جيء بها على سبيل الاحتراس من وهم الانقطاع .
وفي مقابل ذلك المشهد المفزع يعرض المشهد المقابل . مشهد النعيم الذي ينتظر المؤمنين :
( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، وأتوا به متشابها ، ولهم فيها أزواج مطهرة ، وهم فيها خالدون ) . .
وهي ألوان من النعيم يستوقف النظر منها - إلى جانب الأزواج المطهرة - تلك الثمار المتشابهة ، التي يخيل إليهم أنهم رزقوها من قبل - أما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم أو الشكل ، وأما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل - فربما كان في هذا التشابه الظاهري والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة . . وهي ترسم جوا من الدعابة الحلوة ، والرضى السابغ ، والتفكه الجميل ، بتقديم المفاجأة بعد المفاجأة ، وفي كل مرة ينكشف التشابه الظاهري عن شيء جديد !
وهذا التشابه في الشكل ، والتنوع في المزية ، سمة واضحة في صنعة الباريء تعالى ، تجعل الوجود أكبر في حقيقته من مظهره . ولنأخذ الإنسان وحده نموذجا كاشفا لهذه الحقيقة الكبيرة . . الناس كلهم ناس ، من ناحية قاعدة التكوين : رأس وجسم وأطراف . لحم ودم وعظام وأعصاب . عينان وأذنان وفم ولسان . خلايا حية من نوع الخلايا الحية . تركيب متشابه في الشكل والمادة . . ولكن أين غاية المدى في السمات والشيات ؟ ثم أين غاية المدى في الطباع والاستعدادات ؟ إن فارق ما بين إنسان وإنسان - على هذا التشابه - ليبلغ أحيانا أبعد مما بين الأرض والسماء !
وهكذا يبدو التنوع في صنعة الباريء هائلا يدير الرؤوس : التنوع في الأنواع والأجناس ، والتنوع في الأشكال والسمات ، والتنوع في المزايا والصفات . . وكله . . كله مرده إلى الخلية الواحدة المتشابهة التكوين والتركيب .
فمن ذا الذي لا يعبد الله وحده ، وهذه آثار صنعته ، وآيات قدرته ؟ ومن ذا الذي يجعل لله اندادا ، ويد الإعجاز واضحة الآثار ، فيما تراه الأبصار ، وفيما لا تدركه الأبصار ؟
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 25 )
{ بشر } مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه ، والأغلب استعمال البشارة في الخير ، وقد تستعمل في الشر مقيدة به منصوصاً على الشر المبشر به ، كما قال تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } [ آل عمران : 21 ، التوبة ، 34 ، الانشقاق : 24 ] ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير( {[352]} ) ، وفي قوله تعالى : { وعملوا الصالحات } رد على من يقول إن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات( {[353]} ) لأنه لو كان ذلك ما أعادها .
و { أن } في موضع نصب ب { بشرِّ } وقيل في موضع خفض على تقدير باء الجر و { جنات } جمع جنة ، وهي بستان الشجرة والنخيل ، وبستان الكرم يقال له الفردوس ، وسميت جنة لأنها تجن من دخلها أي تستره ، ومنه المجن والجنن( {[354]} ) وجن الليل ، و { من تحتها } معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة وقيل قوله { من تحتها } معناه بإزائها كما تقول داري تحت دار فلان وهذا ضعيف ، و { الأنهار } المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة ، لأنها لفظة مأخوذة من أنهرت أي سعت ، ومنه قول قيس بن الخطيم : [ الطويل ] .
ملكت بها كفي فأنْهَرْتَ فَتْقَها . . . يَرَى قَائِمٌ من دونِها ما وراءَها
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما أنهر الدم وذكرَ اسمُ الله عليه فكلوه » معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء وحده تجوزاً( {[355]} ) ، كما قال { واسأل القربة } [ يوسف : 82 ] وكما قال الشاعر : [ مهلهل أخو كليب ] [ الكامل ]
نُبِّئْتُ أن النارَ بعدَك بعدَك أوقدتْ . . . واستبّ بعدك يا كليبُ المجلسُ( {[356]} )
وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد ، إنما تجري على سطح أرض الجنة منضبطة ، وقوله : { كلما } ظرف يقتضي الحصر وفي هذه الآية رد على من يقول : إن الرزق من شروطه التملك .
قال القاضي أبو محمد : ذكر هذا بعض الأصوليين وليس عندي ببين( {[357]} ) ، وقولهم { هذا } إشارة إلى الجنس أي : هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل( {[358]} ) ، والكلام يحتمل أن يكون تعجباً وهو قول ابن عباس ، ويحتمل أن يكون خبراً من بعضهم لبعض ، قاله جماعة من المفسرين .
وقال الحسن ومجاهد : «يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضاً » .
وقال ابن عباس : «ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء ، وأما الذوات فمتباينة » .
وقال بعض المتأولين : «المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا ، فيقولون : { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا » .
قال القاضي أبو محمد : وقول ابن عباس الذي قبل هذا يرد على هذا القول بعض الرد .
وقال بعض المفسرين : «المعنى هذا الذي وعدنا به في الدنيا فكأنهم قد رزقوه في الدنيا إذ وعد الله منتجز » .
وقال قوم : إن ثمر الجنة إذا قطف منه شيء خرج في الحين في موضعه مثله فهذا إشارة إلى الخارج في موضع المجني .
وقرأ جمهور الناس : «وأُتُوا » بضم الهمزة وضم التاء .
وقرأ هارون الأعور : «وأَتَوا » بفتح الهمزة والتاء والفاعل على هذه القراءة الولدان والخدام ، و «أتوا » على قراءة الجماعة أصله أتيوا نقلت حركة الياء إلى التاء ثم حذفت الياء للالتقاء .
وقوله تعالى : { متشابهاً } قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم : «معناه يشبه بعضه بعضاً في المنظر ويختلف في الطعم » .
وقال عكرمة : «معناه يشبه ثمر الدنيا في المنظر ويباينه في جل الصفات » .
وقوله تعالى : { متشابهاً } معناه خيار لا رذل( {[359]} ) فيه ، كقوله تعالى : { كتاباً متشابهاً }( {[360]} ) [ الزمر : 23 ] .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : كأنه يريد متناسباً في أن كل صنف هو أعلى جنسه فهذا تشابه ما ، وقيل { متشابهاً } أي مع ثمر الدنيا في الأسماء لا في غير ذلك من هيئة وطعم ، و { أزواج } جمع زوج والمرأة زوج الرجل والرجل زوج المرأة ويقال في المرأة زوجة ومنه قول الفرزدق : [ الطويل ]
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي . . . كساع إلى أُسْد الشرى يستبيلُها( {[361]} )
وقال عمار بن ياسر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : «والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم » . ذكر البخاري وغيره الحديث بطوله( {[362]} ) . و { مطهرة } أبلغ من طاهرة ، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبزاق( {[363]} ) وسائر أقذار الآدميات ، وقيل من الآثام . والخلود الدوام في الحياة أو الملك ونحوه وخلد بالمكان إذا استمرت إقامته فيه ، وقد يستعمل الخلود مجازاً فيما يطول ، وأما هذا الذي في الآية فهو أبدي حقيقة .