{ فَإِنْ خِفْتُمْ }{[148]} لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع ، وغير ذلك من أنواع المخاوف ، أي : إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها { رِجَالًا } أي : ماشين على أقدامكم ، { أَوْ رُكْبَانًا } على الخيل والإبل وغيرها ، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط ، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة ، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي : زال الخوف عنكم { فَاذْكُرُوا اللَّهَ } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة ، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها .
والفاء في قوله : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } للتفريع أي : حافظوا على الصلاة في كل وقت ، وأدوها بخشوع واطمئنان ، فإن كان بكم خوف من عدو في حال المقاتلة في الحرب أو من غيره لسبب من الأسباب ، فصلوا رجلين أي ماشين على الأقدام ، أو راكبين على ركائبكم بإيماء ، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا .
و ( رجالا ) جمع راجل . وهو القوى على المشي برجليه . يقال : رَجل الإِنسان يرجل رجلا إذا لم يحد ما يركبه ومشى على قدميه ، والركابن جمع راكب للجمل أو الفرس أو غيرهما .
وجواب الشرط محذوف والتقدير : فإن خفتم فصلوا رجلين أو راكبين ، وهذان اللفظان أي - رجالا أو ركباناً - حالان من الضمير في " فصلوا " المحذوف .
والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإِسلام بشأن الصلاة ، فقد أمر الله - تعالى - عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف ، والصحة والمرض ، والسفر والإِقامة .
وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإِمام محمد عبده فقال ما ملخصه : وقوله - تعالى - : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة ، وبيان أنها لا تسقط بحال ، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذراً في ترك الصيام . . والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي ، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات ، وهو تذكر سلطان الله - تعالى - المستولي علينا وعلى العالم كله ، ومن شأن الإِنسان إذا أراد عملا قلبياً يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما ينسابه من قول وعمل .
ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله - تعالى - للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك " الله أكبر " في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فبها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور يكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك ، ويستولي على إرادتك . . وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة .
فإذا تعذر عليك الإِتيان ببعض تلك الأعمال البدنية ؛ فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها ، وهي الإِقبال على الله - تعالى - واستحضار سلطانه ، مع الإِشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإِمكان الذي لا يمنع من مدافعه الخوف الطارئ من سبع مفترس ، أو عدو مغتال ، أو لص محتال . . فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال . . "
وقال الإِمام ابن العربي : قوله - تعالى - { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } أمر الله - تعالى - بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض ، وحضر وسفر ، وقدرة وعجز ، وخوف وأمن ، لا تسقط عن المكلف بحال ، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن ، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإِشارة بالعين للزم فعليها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح ، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات ، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار ، ولذلك قال علماؤنا : " إن تارك الصلاة يقتل ، لأنها أشبهت الإِيمان الذي لا يسقط بحال ، ولا تجوز النيابة فيها ببد ولا مال " .
ثم قال - تعالى - : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين ، { فاذكروا الله } أي فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد من الله - تعالى - عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرماً .
وعبر - سبحانه - " بإن " المفيدة للشك في حالة الخوف ، وبإذا المفيدة للتحقيق في حالة الأمن ، للإِشعار بأن حالة الأمن هي الحالة الكثيرة الثابتة ، وأن حالة الخوف هي الحالة القليلة الطارئة ، وفي ذلك فضل جزيل من الله - تعالى - على عباده يحملهم على شكره وطاعته ، حيث وهبهم الأمان والاطمئنان في أغلب أوقات حياتهم .
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد أمرتا المسلم بأن يحافظ على الصلاة محافظة تامة ، إذ في هذه المحافظة سعادة للإِنسان ، ودافع له على أداء الحقوق لأربابها ، وزاجر له عن اقتراف ما نها الله عنه .
( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ )
فأما إذا كان الخوف الذي لا يدع مجالا لإقامة الصلاة تجاه القبلة ، فإن الصلاة تؤدي ولا تتوقف . يتجه الراكب على الدابة والراجل المشغول بالقتال ودفع الخطر حيث يقتضيه حاله ، ويومىء إيماءة خفيفة للركوع والسجود . وهذه غير صلاة الخوف التي بين كيفيتها في سورة النساء . فالمبينة في سورة النساء تتم في حالة ما إذا كان الموقف يسمح بإقامة صف من المصلين يصلي ركعة خلف الإمام بينما يقف وراءه صف يحرسه . ثم يجيء الصف الثاني فيصلي ركعة بينما الصف الأول الذي صلى أولا يحرسه . . أما إذا زاد الخوف وكانت الموقعة والمسايفة فعلا ، فتكون الصلاة المشار إليها هنا في سورة البقرة .
وهذا الأمر عجيب حقا . وهو يكشف عن مدى الأهمية البالغة التي ينظر الله بها إلى الصلاة ، ويوحي بها لقلوب المسلمين . إنها عدة في الخوف والشدة . فلا تترك في ساعة الخوف البالغ ، وهي العدة . ومن ثم يؤديها المحارب في الميدان ، والسيف في يده ، والسيف على رأسه . يؤديها فهي سلاح للمؤمن كالسيف الذي في يده . وهي جنة له كالدرع التي تقيه . يؤديها فيتصل بربه أحوج ما يكون للإتصال به ، وأقرب ما يكون إليه والمخافة من حوله . .
إن هذا الدين عجيب . إنه منهج العبادة . العبادة في شتى صورها والصلاة عنوانها ، وعن طريق العبادة يصل بالإنسان إلى أرفع درجاته . وعن طريق العبادة يثبته في الشدة ، ويهذبه في الرخاء . وعن طريق العبادة يدخله في السلم كافة ويفيض عليه السلام والاطمئنان . . ومن ثم هذه العناية بالصلاة والسيوف في الأيدي وفي الرقاب !
فإذا كان الأمن فالصلاة المعروفة التي علمها الله للمسلمين ، وذكر الله جزاء ما علمهم ما لم يكونوا يعلمون :
( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . .
وماذا كان البشر يعلمون لولا أن علمهم الله ؟ ولولا أن يعلمهم في كل يوم وفي كل لحظة طوال الحياة ؟ !
وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات ، والقيام بحدودها ، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال التي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل ، وهي حال القتال والتحام الحرب فقال : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا }{[4165]} أي : فصلوا على أي حال كان ، رجالا أو ركبانا : يعني : مستقبلي القبلة
وغير مستقبليها كما قال مالك ، عن نافع : أن{[4166]} ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها . ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ورواه البخاري - وهذا لفظه{[4167]} - ومسلم ورواه البخاري أيضاً من وجه آخر عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : نحوه أو قريباً منه{[4168]} ولمسلم أيضاً عن ابن عمر قال : فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكباً أو قائماً تومئ إيماء{[4169]} .
وفي حديث عبد الله بن أنيس الجهني لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله وكان نحو عرفة - أو عرفات - فلما واجهه حانت صلاة العصر قال : فخشيت أن تفوتني فجعلت أصلي وأنا أومئ إيماء . الحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد{[4170]} وهذا من رخص الله التي رخص لعباده ووَضْعِه الآصار والأغلال عنهم .
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال في هذه الآية : يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه . قال : وروي عن الحسن ومجاهد ومكحول والسدي والحكم ومالك والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح نحو ذلك وزادوا : يومئ برأسه أينما توجه{[4171]} .
ثم قال : حدثنا أبي حدثنا أبو غسان حدثنا داود - يعني ابن علية - عن مطرف عن عطية عن جابر بن عبد الله قال : إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه [ إيماء ]{[4172]} حيث كان وجهه فذلك قوله : { فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا }
وروي عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعطية والحكم وحماد وقتادة نحو ذلك . وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه ، إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان ، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري - زاد مسلم والنسائي : وأيوب بن عائذ - كلاهما عن بكير بن الأخنس الكوفي ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا ، وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة {[4173]} وبه قال الحسن البصري وقتادة والضحاك وغيرهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا ابن مهدي عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة ، فقالوا : ركعة وهكذا روى الثوري عنهم سواء .
وقال ابن جرير أيضا : حدثني سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثنا المسعودي حدثنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال : صلاة الخوف ركعة واختار هذا القول ابن جرير .
وقال البخاري : " باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو " وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ، ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا . وبه قال مكحول - وقال أنس بن مالك : حضرت مناهضة حصن تسْتَر عند إضاءة الفجر ، واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا . قال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها .
هذا لفظ البخاري{[4174]} ثم استشهد على ذلك بحديث تأخيره ، عليه السلام ، صلاة العصر يوم الخندق بعذر المحاربة إلى{[4175]} غيبوبة الشمس وبقوله عليه السلام ، بعد ذلك لأصحابه لما جهزهم إلى بني قريظة : " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " ، فمنهم من أدركته الصلاة في الطريق فصلوا وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا تعجيل السير ومنهم من أدركته فلم يصل إلى أن غربت الشمس في بني قريظة فلم يعنف واحداً{[4176]} من الفريقين . وهذا يدل على اختيار البخاري لهذا القول والجمهور على خلافه ويعولون على أن صلاة الخوف على الصفة التي ورد بها القرآن في سورة النساء ووردت{[4177]} بها الأحاديث لم تكن مشروعة في غزوة الخندق ، وإنما شرعت بعد ذلك . وقد جاء مصرحاً بهذا في حديث أبي سعيد وغيره وأما مكحول والأوزاعي والبخاري فيجيبون بأن مشروعية صلاة الخوف بعد ذلك لا تنافي جواز ذلك ؛ لأن هذا حال نادر خاص فيجوز فيه مثل ما قلنا بدليل صنيع الصحابة زمن عمر في فتح تستر وقد اشتهر ولم ينكر ، والله أعلم .
وقوله : { فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ } أي : أقيموا صلاتكم كما أمرتم فأتموا{[4178]} ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وخشوعها وهجودها { كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } أي : مثل ما أنعم عليكم وهداكم للإيمان وعلمكم ما ينفعكم في الدنيا والآخرة ، فقابلوه بالشكر والذكر ، كقوله بعد ذكر صلاة الخوف : { فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [ النساء : 103 ] وستأتي الأحاديث الواردة في صلاة الخوف وصفاتها في سورة النساء عند قوله تعالى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ } الآية [ النساء : 102 ] .
تفريع على قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] للتنبيه على أن حالة الخوف لا تكون عذراً في ترك المحافظة على الصلوات ، ولكنها عذر في ترك القيام لله قانتين ، فأفاد هذا التفريع غرضين : أحدهما بصريح لفظه ، والآخر بلازم معناه .
والخوف هنا خوف العدو ، وبذلك سميت صلاة الخوف ، والعرب تسمي الحرب بأسماء الخوف فيقولون الرَّوْع ويقولون الفَزَع ، قال عمرو بن كلثوم :
* وتحملنا غداة الروع جرد * البيت .
ونسوتكم في الروع باد وجوهها *** يُخَلْنَ إماءً والإماء حرائر
وفي الحديث : « إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع » ولا يعرف إطلاق الخوف على الحرب قبل القرآن قال تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } [ البقرة : 155 ] . والمعنى : فإن حاربتم أو كنتم في حرب ، ومنه سمى الفقهاء صلاة الخوف الصلاة التي يؤديها المسلمون وهم يصافون العدو في ساحة الحرب وإيثار كلمة الخوف في هذه الآية لتشمل خوف العدو وخوف السباع وقطاع الطريق ، وغيرها .
و { رجالاً } جمع راجل كالصحاب و { ركباناً } جمع راكب وهما حالان من محذوف أي فصلوا رجالاً أو ركباناً وهذا في معنى الاستثناء من قوله : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] لأن هاته الحالة تخالف القنوت في حالة الترجل ، وتخالفهما معاً في حالة الركوب . والآية إشارة إلى أن صلاة الخوف لا يشترط فيها الخشوع ، لأنها تكون مع الاشتغال بالقتال ولا يشترط فيها القيام .
وهذا الخوف يسقط ما ذكر من شروط الصلاة ، وهو هنا صلاة الناس فرادى ، وذلك عند مالك إذا اشتد الخوف وأظلهم العدو ولم يكن حصن بحيث تتعذر الصلاة جماعة مع الإمام ، وليست هذه الآية لبيان صلاة الجيش في الحرب جماعة المذكورة في سورة النساء ، والظاهر أن الله شرع للناس في أول الأمر صلاة الخوف فرادى على الحال التي يتمكنون معها من مواجهة العدو ، ثم شرع لهم صلاة الخوف جماعة في سورة النساء ، وأيضاً شملت هذه الآية كل خوف من سباع أو قطاع طريق أو من سيل الماء ، قال مالك : وتستحب إعادة الصلاة ، وقال أبو حنيفة : يصلون كما وصف الله ويعيدون ، لأن القتال في الصلاة مفسد عنده .
وقوله : { فإذا أمنتم فاذكروا الله } أراد الصلاة أي ارجعوا إلى الذكر المعروف . وجاء في الأمن بإذا وفي الخوف بإن بشارة للمسلمين بأنهم سيكون لهم النصر والأمن .
وقوله : { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } الكاف للتشبيه أي اذكروه ذكراً يشابه ما من به عليكم من علم الشريعة في تفاصيل هذه الآيات المتقدمة ، والمقصود من المشابهة المشابهة في التقدير الاعتباري ، أي أن يكون الذكر بنية الشكر على تلك النعمة والجزاء ، فإن الشيء المجازى به شيء آخر يعتبر كالمشابه له ، ولذلك يطلق عليه اسم المقدار ، وقد يسمون هذه الكاف كاف التعليل ، والتعليل مستفاد من التشبيه ، لأن العلة على قدر المعلول .