تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

ويدل على المعنى الأخير ، ما ذكره بعده في قوله : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي : في يوم القيامة كل أحد يجازى بعمله ، ولا يحمل أحد ذنب أحد . { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي : نفس مثقلة بالخطايا والذنوب ، تستغيث بمن يحمل عنها بعض أوزارها { لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } فإنه لا يحمل عن قريب ، فليست حال الآخرة بمنزلة حال الدنيا ، يساعد الحميم حميمه ، والصديق صديقه ، بل يوم القيامة ، يتمنى العبد أن يكون له حق على أحد ، ولو على والديه وأقاربه .

{ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي : هؤلاء الذين يقبلون النذارة وينتفعون بها ، أهل الخشية للّه بالغيب ، أي : الذين يخشونه في حال السر والعلانية ، والمشهد والمغيب ، وأهل إقامة الصلاة ، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها ، لأن الخشية للّه تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب ، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب ، والصلاة تدعو إلى الخير ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر .

{ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } أي : ومن زكى نفسه بالتنقِّي من العيوب ، كالرياء والكبر ، والكذب والغش ، والمكر والخداع والنفاق ، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة ، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة ، من الصدق ، والإخلاص ، والتواضع ، ولين الجانب ، والنصح للعباد ، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق ، فإن تزكيته يعود نفعها إليه ، ويصل مقصودها إليه ، ليس يضيع من عمله شيء .

{ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } فيجازي الخلائق على ما أسلفوه ، ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

ثم بين - سبحانه - أن كل نفس تتحمل نتائج أعمالها وحدها فقال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } .

وقوله : { تَزِرُ } من الوزر بمعنى الحمل . يقال : فلان وزر هذا الشئ إذا حمله . وفعله من باب " وعد " ، وأكثر ما يكون استعمالاً فى حمل الآثم .

وقوله { وَازِرَةٌ } : صفة لموصوف محذوف . أى : ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما كل نفس مسئولة وحدها عن أفعالها وأقوالها التى باشرتها ، أو تسببت فيها .

وقوله : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى } مؤكد لضممون ما قبله ، من مسئولية كل نفس عن أفعالها .

وقوله : { مُثْقَلَةٌ } صفة لموصوف محذوف ، والمفعول محذوف - أيضاً - للعلم به .

وقوله { حِمْلِهَا } أى : ما تحمله من الذنوب والآثام ، إذ الحمل - بكسر الحاء - ما يحمله الإِنسان من أمتعة على ظهره أو رأسه أو كتفه .

والمعنى : لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، وإن تنطلب نفس مثقلة بالذنوب من نفس أخرى ، أن تحمل عنها شيئاً من ذنوبها التى أثقلتها ، لا تجد استجابة منها ، ولو كانت تلك النفس الأخرى من أقربائها وذوى رحمها .

قال - تعالى - : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً . . . } .

وقال - سبحانه - : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : ولا تزر نفس وزر أخرى ؟ قلت : لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى واحدة منهن إلا حاملة وزرها ، ولا وزر غيرها .

فإن قلت : كيف توفق بين هذا ، وبين قوله : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } قلت : تلك الآية فى الضالين المضلين ، وأنهم يحملون أثقال إضلالهم لغيرهم ، مع أثقالهم ، وذلك كله أوزارهم ، ما فيها شئ من وزر غيرهم .

فإن قلت : فما الفرق بين معنى { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } وبين معنى : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ . . } ؟

قلت : الأول فى الدلالة على عدل الله - تعالى - فى حكمه ، وأنه - تعالى - لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها .

والثانى : فى أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث . . وإن كان المستغاث به بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ . . فإن قلت : إلام أسند كان فى قوله { وَلَوْ كَانَ ذَا قربى } ؟ قلت : إلى المدعو المفهوم من قوله : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } .

فإن قلت : فلم ترك ذكر المدعو ؟ قلت : " ليعم ويشمل كل مدعو " .

وقوله - تعالى - : { إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة } .

كلام مستأنف مسوق لبيان من هم أهل للاتعاظ والاستجابة للحق .

أى : أنت - أيها الرسول الكريم - إنما ينفع وعظك وإنذارك . أولئك العقلاء الذين يخشون ربهم - عز وجل - دون أن يروه ، أو يروا عذابه ، والذين يؤدون الصلاة فى مواقيتها بإخلاص وخشوع واطمئنان .

ثم حض - سبحانه - على تزكية النفوس وتطهيرها فقال : { وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير } أى : ومن تظهر من دنس الكفر والفسوق والعصيان . وحض نفسه بالإِيمان ، والعمل الصالح ، والتوبة النصوح ، فإن ثمرة تطهره إنما تعود إلى نفسه وحدها ، وإليها يرجع الأجر والثواب ، والله - تعالى - إليه وحده مصير العباد لا إلى غيره .

فالجملة الكريمة دعوة من الله - تعالى - للناس ، إلى تزيكة النفوس وتطهيرها من كل سوء ، بعد بيان أن كل نفس مسئولية وحدها عن نتائج أفعالها ، وأن أحداً لن يبلى طلب غيره فى أن يحمل شيئاً عنه من أوزاره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

15

ولمسة أخرى بحقيقة أخرى . حقيقة فردية التبعة ، والجزاء الفردي الذي لا يغني فيه احد عن أحد شيئاً . فما بالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] من حاجة الى هدايتهم يحققها لنفسه ، فهو محاسب على عمله وحده ، كما أن كلاً منهم محاسب على ما كسبت يداه ، يحمل حمله وحده ، لا يعينه أحد عليه . ومن يتطهر فإنما يتطهر لنفسه ، وهو الكاسب وحده لا سواه ؛ والأمر كله صائر إلى الله :

( ولا تزر وازرة وزر أخرى . وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) . . .

( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ، وإلى الله المصير ) . .

وحقيقة فردية التبعة والجزاء ذات أثر حاسم في الشعور الأخلاقي ، وفي السلوك العملي سواء . فشعور كل فرد بأنه مجزيُّ بعمله ، لا يؤاخذ بكسب غيره ، ولا يتخلص هو من كسبه ، عامل قوي في يقظته لمحاسبة نفسه قبل ان تحاسب ! مع التخلي عن كل أمل خادع في أن ينفعه أحد بشيء ، أو أن يحمل عنه أحد شيئاً . كما أنه - في الوقت ذاته - عامل مطمئن ، فلا يقلق الفرد خيفة أن يؤخذ بجريرة الجماعة ، فيطيش وييئس من جدوى عمله الفردي الطيب . ما دام قد أدى واجبه في النصح للجماعة ومحاولة ردها عن الضلال بما يملك من وسيلة .

إن الله - سبحانه - لا يحاسب الناس جملة بالقائمة ! إنما يحاسبهم فرداً فرداً ؛ كل على عمله ، وفي حدود واجبه . ومن واجب الفرد أن ينصح وأن يحاول الإصلاح غاية جهده . فإذا قام بقسطه هذا فلا عليه من السوء في الجماعة التي يعيش فيها ، فإنما هو محاسب على إحسانه . كذلك لن ينفعه صلاح الجماعة إذا كان هو بذاته غير صالح . فالله لا يحاسب عباده بالقائمة كما أسلفنا !

والتعبير القرآني يصور هذه الحقيقة على طريقة التصوير في القرآن ، فتكون أعمق وأشد أثراً . يصور كل نفس حاملة حملها . فلا تحمل نفس حمل آخرى وحين تثقل نفس بما تحمل ثم تدعو أقرب الأقرباء ليحمل عنها شيئاً ، فلن تجد من يلبي دعاءها ويرفع عنها شيئاً مما يثقلها !

إنه مشهد القافلة كل من فيها يحمل أثقاله ويمضي في طريقه ، حتى يقف أمام الميزان والوزّان ! وهي في وقفتها يبدو على من فيها الجهد والإعياء ، واهتمام كل بحمله وثقله ، وانشغاله عن البعداء والأقرباء !

وعلى مشهد القافلة المجهدة المثقلة ، يلتفت إلى رسول الله - [ صلى الله عليه وسلم ] :

( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب واقاموا الصلاة ) . .

فهؤلاء هم الذين يفلح فيهم الإنذار . هؤلاء الذين يخشون ربهم ولم يشاهدوه . ويقيمون الصلاة ليتصلوا بربهم ويعبدوه . هؤلاء هم الذين ينتفعون بك ، ويستجيبون لك . فلا عليك ممن لا يخشى الله ولا يقيم الصلاة .

ومن تزكى فأنما يتزكى لنفسه . .

لا لك . ولا لغيرك . إنما هو يتطهر لينتفع بطهره . والتطهر معنى لطيف شفاف . يشمل القلب وخوالجه ومشاعره ، ويشمل السلوك واتجاهاته وآثاره . وهو معنى موح رفاف .

( وإلى الله المصير ) . .

وهو المحاسب ، والمجازي ، فلا يذهب عمل صالح ، ولا يفلت عمل سيىء . ولا يوكل الحكم والجزاء إلى غيره ممن يميلون أو ينسون أو يهملون . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

وقوله : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أي : يوم القيامة ، { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا } أي : وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تُسَاعَد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه ، { لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } ، أي : ولو كان قريبًا إليها ، حتى ولو كان أباها أو ابنها ، كل مشغول بنفسه وحاله ، [ كما قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ] [ عبس : 34 - 37 ] . {[24506]}

قال{[24507]} عكرمة في قوله : { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا } الآية ، قال : هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة ، فيقول : يا رب ، سل هذا : لم كان يغلق بابه دوني . وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة ، فيقول له : يا مؤمن ، إن لي عندك يدًا ، قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا ؟ وقد احتجت إليك اليوم ، فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى [ منزل دون ]{[24508]} منزله{[24509]} ، وهو في النار . وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة ، فيقول : يا بني ، أيّ والد كنتُ لك ؟ فيثني خيرا ، فيقول له : يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى . فيقول له ولده : يا أبت ، ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف ، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا ، ثم يتعلق بزوجته فيقول : يا فلانة - أو : يا هذه - أي زوج كنت لك ؟ فتثني خيرا ، فيقول لها : إني أطلب إليك حسنة واحدة تَهَبِينَها لي ، لعلي أنجو بها مما ترين . قال : فتقول : ما أيسر ما طلبت . ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا ، إني أتخوف مثل الذي تتخوف ، يقول الله : { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا }{[24510]} الآية ، ويقول الله : { لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } [ لقمان : 33 ] ، ويقول تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } رواه ابن أبي حاتم رحمه الله ، عن أبي عبد الله الطهراني{[24511]} ، عن حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عِكْرِمة ، به .

ثم قال : { إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ }{[24512]} أي : إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى ، الخائفون من ربهم ، الفاعلون ما أمرهم به ، { وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ } أي : ومَنْ عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه ، { وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } أي : وإليه المرجع والمآب ، وهو سريع الحساب ، وسيجزي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرًّا فشر .


[24506]:- زيادة من ت.
[24507]:- (6) في ت : "كما قال".
[24508]:- زيادة من ت، أ.
[24509]:- في ت : "في منزلة دون منزلته".
[24510]:- زيادة من ت، س، أ.
[24511]:- في أ : "الطبراني".
[24512]:- في س : "ينذر".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

و { تزر } معناه تحمل ، والوزر الثقل ، وهذه الآية في الذنوب والآثام والجرائم ، قاله قتادة وابن عباس ومجاهد ، وسببها أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعلي وزركم ، فحكم الله تعالى بأنه لا يحملها أحد عن أحد ، ومن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زيادة ونحوه فإنما ذلك لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ومواصلة أو اطلاع على حاله وتقرير لها ، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب{[9707]} ، وهذا هو المعنى في قوله تعالى { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم }{[9708]} [ العنكبوت : 13 ] لأنهم أغووهم ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة بعده ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده »{[9709]} وأنثت { وازرة } لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت { مثقلة } ، و «الحمل » ما كان على الظهر في الأجرام ، ويستعار للمعاني كالذنوب ونحوها ، فيجعل كل محمول متصلاً بالظهر ، كما يجعل كل اكتساب منسوباً إلى اليد{[9710]} ، واسم { كان } مضمر تقديره ولو كان الداعي ، ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما ينذر أهل الخشية وهم الذي يمنحون العلم ، أي إنما ينتفع بالإنذار هم وإلا فلنذارة جميع العالم بعثه ، وقوله { بالغيب } أي وهو بحال غيبة عنهم إنما هي رسالة ، ثم خصص من الأعمال إقامة الصلاة تنبيهاً عليها وتشريفاً لها ، ثم حض على التزكي بأن رجى عليه غاية الترجية ، وقرأ طلحة «ومن أزكى فإنما يزكي » ، ثم توعد بعد ذلك بقوله { وإلى الله المصير } .

قال القاضي أبو محمد : وكل عبارة مقصرة عن تبيين فصاحة هذه الآية ، وكذلك كتاب الله كله ، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع بحسب تقصيرنا .


[9707]:قال أبو حيان تعقيبا على كلام ابن عطية هذا:"وكان ابن عطية تأول أفعال زياد وما فعل في الإسلام، وكانت سيرته قريبة من سيرة الحجاج".
[9708]:من الآية(13) من سورة (العنكبوت).
[9709]:أخرجه مسلم في العلم، وفي الزكاة، والنسائي في الزكاة، وأحمد في مسنده (4-359، 360،361)، ولفظه كما في صحيح مسلم في كتاب العلم، عن جرير بن عبد الله، قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطئوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه،قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من سن في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم من شيء).
[9710]:فيقال عن كل عمل يعمله الإنسان ولو بغير يده:"كسبت يداه كذا وكذا"، أو يلام على ما فعل إن كان سيئا فيقال له: هذا نتيجة ما كسبت يداك".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى } .

لما كان ما قبل هذه الآية مسوقاً في غرض التهديد وكان الخطاب للناس أريدت طمْأنة المسلمين من عواقب التهديد ، فعقب بأن من لم يأت وزراً لا يناله جزاء الوَازر في الآخرة قال تعالى : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } [ مريم : 72 ] . وقد يكون وعداً بالإِنجاء من عذاب الدنيا إذا نزل بالمهدَّدين الإِذهابُ والإِهلاكُ مثلما أهلك فريقَ الكفار يوم بدر وأنجى فريق المؤمنين ، فيكون هذا وعداً خاصاً لا يعارضه قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [ الأنفال : 25 ] وما ورد في حديث أمّ سلمة قالت : « يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخُبْث » .

فموقع قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } كموقع قوله تعالى : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين } [ يوسف : 110 ] . ولهذا فالظاهر أن هذا تأمين للمسلمين من الاستئصال كقوله تعالى : { وما كان اللَّه معذبهم وهم يستغفرون } [ الأنفال : 33 ] بقرينة قوله عقبه { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } وهو تأمين من تعميم العقاب في الآخرة بطريق الأوْلى ويجوز أن يكون المراد : ولا تزر وازرة وزر أخرى يوم القيامة ، أي إن يشأ يذهبكم جميعاً ولا يعذب المؤمنين في الآخرة ، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم « ثم يحشرون على نياتهم » .

والوجه الأول أعم وأحسن . وأيَّامًّا كان فإن قضية { ولا تزر وازرة وزر أخرى } كلية عامة فكيف وقد قال الله تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } في سورة العنكبوت ( 13 ) ، فالجمع بين الآيتين أن هذه الآية نفَت أن يحمل أحد وزر آخر لا مشاركةَ له للحامل على اقتراف الوزر ، وأما آية سورة العنكبوت فموردها في زعماء المشركين الذين موّهوا الضلالة وثبتوا عليها ، فإن أول تلك الآية { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتَّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } [ العنكبوت : 12 ] ، وكانوا يقولون ذلك لكل من يستروحون منه الإِقبال على الإِيمان بالأحرى .

وأصل الوِزر بكسر الواو : هو الوِقْر بوزنه ومعناه . وهو الحِمل بكسر الحاء ، أي ما يحمل ، ويقال : وَزَر إذا حمل . فالمعنى : ولا تحمل حاملة حِمل أخرى ، أي لا يحمل الله نفساً حملاً جعله لنفس أخرى عدلاً منه تعالى لأن الله يحب العدل وقد نفى عن شأنه الظلم وإن كان تصرفه إنما هو في مخلوقاته .

وجرى وصف الوازرة على التأنيث لأنه أريد به النفس .

ووجه اختيار الإِسناد إلى المؤنث بتأويل النفس دون أن يجري الإِضمار على التذكير بتأويل الشخص ، لأن معنى النفس هو المتبادر للأذهان عند ذكر الاكتساب كما في قوله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها }

في سورة الأنعام ( 164 ) ، وقوله : { كل نفس بما كسبت رهينة } في سورة المدثر ( 38 ) ، وغير ذلك من الآيات .

ثم نبّه على أن هذا الحكم العادل مطرد مستمر حتى لو استغاثت نفس مثقلة بالأوزار مَن ينتدب لحمل أوزارها أو بعضها لم تجد من يحمل عنها شيئاً ، لئلا يقيس الناس الذين في الدنيا أحوال الآخرة على ما تعارفوه ، فإن العرب تعارفوا النجدة إذا استنجدوا ولو كان لأمر يُضر بالمنجد . ومن أمثالهم لو دُعي الكريم إلى حتفه لأجاب ، وقال ودّاك بن ثُمَيْل المازني :

إذا استُنْجدوا لم يَسألوا من دَعاهُم *** لأَيَّة حرب أم بأي مكان

ولذلك سمي طلب الحمل هنا دعاء لأن في الدعاء معنى الاستغاثة .

وحذف مفعول تدع } لقصْد العموم . والتقدير : وإن تدع مثقلة أيَّ مدعوّ .

وقوله : { إلى حملها } متعلق ب { تدع } ، وجعل الدعاء إلى الحمل لأن الحمل سبب الدعاء وعلته . فالتقدير : وإن تدع مثقلة أحداً إليها لأجل أن يَحمل عنها حملها ، فحذف أحدُ متعلقي الفعل المجرور باللام لدلالة الفعل ومتعلقه المذكور على المحذوف .

وهذا إشارة إلى ما سيكون في الآخرة ، أي لو استصرخت نفس مَن يحمل عنها شيئاً من أوزارها ، كما كانوا يزعمون أن أصنامهم تشفع لهم أو غيرهم ، لا تجد من يجيبها لذلك .

وقوله : { ولو كان ذا قربى } في موضع الحال من { مثقلة } . و { لو } وصلية كالتي في قوله تعالى : { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } في سورة آل عمران ( 91 ) .

والضمير المستتر في كان } عائد إلى مفعول { تدع } المحذوف ، إذ تقديره : وإن تدع مثقلة أحداً إلى حِملها كما ذكرنا . فيصير التقدير : ولو كان المدعوّ ذَا قربى ، فإن العموم الشمولي الذي اقتضته النكرة في سياق الشرط يصير في سياق الإِثبات عموماً بَدَليًّا .

ووجه ما اقتضته المبالغة من { لو } الوصلية أن ذا القربى أرق وَأشفق على قريبه ، فقد يُظن أنه يغني عنه في الآخرة بأن يقاسمه الثقل الذي يؤدي به إلى العذاب فيخف عنه العذاب بالاقتسام .

والإِطلاق في القربى يشمل قريب القرابة كالأبوين والزوجين كما قال تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه } [ عبس : 34 ، 35 ] .

وهذا إبطال لاعتقاد الغَناء الذاتي بالتضامن والتحامل فقد كان المشركون يقيسون أمور الآخرة على أمور الدنيا فيعلّلون أنفسهم إذا هُدّدوا بالبعث بأنه إن صح فإن لهم يومئذٍ شفعاء وأنصاراً ، فهذا سياق توجيه هذا إلى المشركين ثم هو بعمومه ينسحب حكمهُ على جميع أهل المحشر ، فلا يحمل أحد عن أحد إثمه . وهذا لا ينافي الشفاعة الواردة في الحديث ، كما تقدم في سورة سبأ ، فإنها إنما تكون بإذن الله تعالى إظهاراً لكرامة نبيئه محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ما جعله الله للمؤمنين من مكفّرات للذنوب كما ورد أن أفراط المؤمنين يشفعون لأمهاتهم ، فتلك شفاعة جعلية جعلها الله كرامة للأمهات المصابة من المؤمنات .

{ إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير } .

استئناف بياني لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يخطر في نفسه التعجب من عدم تأثر أكثر المشركين بإنذاره فأجيب بإن إنذاره ينتفع به المؤمنون ومن تهيّأوا للإِيمان .

وإيراد هذه الآية عقب التي قبلها يؤكد أن المقصد الأول من التي قبلها موعظة المشركين وتخويفهم ، وإبلاغ الحقيقة إليهم لاقتلاع مزاعمهم وأوهامهم في أمر البعث والحساب والجزاء . فأقبل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالخطاب ليشعر بأن تلك المواعظ لم تُجْدِ فيهم وأنها إنما ينتفع بها المسلمون ، وهو أيضاً يؤكد ما في الآية الأولى من التعريض بتأمين المسلمين بما اقتضاه عموم الإِنذار والوعيد .

وأطلق الإِنذار هنا على حصول أثره ، وهو الانكفاف أو التصديق به ، وليس المراد حقيقة الإِنذار ، وهو الإِخبار عن توقع مكروه لأن القرينة صادقة عن المعنى الحقيقي وهي قرينةُ تكرر الإِنذار للمشركين الفيْنَة بعد الفيْنة وما هو ببعيد عن هذه الآية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنذر المشركين طول مدة دعوته ، فتعين أن تعلق الفعل المقصور عليه ب { الذين يخشون ربهم بالغيب } تعلّقٌ على معنى حصول أثر الفعل .

فالمقصود من القصر أنه قصر قلب لأن المقصود التنبيه على أن لا يظُنّ النبي صلى الله عليه وسلم انتفاع الذين لا يؤمنون بنذارته ، وإن كانت صيغة القصر صالحة لِمعنى القصر الحقيقي لكن اعتبار المقام يعين اعتبار القصر الإِضافي . ونظير هذه الآية قوله في سورة يس ( 11 ) { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } وقوله : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } في سورة ق ( 45 ) ، مع أن التذكير بالقرآن يعم الناس كلهم .

والغيب : ما غاب عنك ، أي الذين يخشون ربهم في خلواتهم وعند غيبتهم عن العيان ، أي الذين آمنوا حقاً غير مرائين أحداً .

و{ أقاموا الصلاة } أي لم يفرطوا في صلاة كما يؤذن به فعل الإِقامة كما تقدم في أول سورة البقرة .

ولما كانت هاتان الصفتان من خصائص المسلمين صار المعنى : إنما تنذر المؤمنين ، فعُدل عن استحضارهم بأشهر ألقابهم مع ما فيه من الإِيجاز إلى استحضارهم بصلتين مع ما فيهما من الإِطناب ، تذرعاً بذكر هاتين الصّلتين إلى الثناء عليهم بإخلاص الإِيمان في الاعتقاد والعمل .

وجملة { ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه } تذييل جار مجرى المثل . وذكر التذييل عقب المذيل يؤذن بأن ما تضمنه المذيَّل داخل في التذييل بادىء ذي بدء مثل دخول سبب العام في عمومه من أول وهلة دون أن يُخص العام به ، فالمعنى : أن الذين خَشُوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة هم ممّن تزكى فانتفعوا بتزكيتهم ، فالمعنى : إنما ينتفع بالنذارة الذين يخشون ربهم بالغيب فأولئك تزكوا بها ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه .

والمقصود من القصر في قوله : { فإنما يتزكى لنفسه } أن قبولهم النذارة كان لفائدة أنفسهم ، ففيه تعريض بأن الذين لم يعبأوا بنذارته تركوا تزكية أنفسهم بها فكان تركهم ضراً على أنفسهم .

وجملة { وإلى الله المصير } تكميل للتذييل ، والتعريف في { المصير } للجنس ، أي المصير كله إلى الله سواء فيه مصير المتزكّي ومصير غير المتزكي ، أي وكل يُجازَى بما يناسبه .

وتقديم المجرور في قوله : { وإلى الله المصير } للاهتمام للتنبيه على أنه مصير إلى من اقتضى اسمه الجليل الصفات المناسبة لإِقامة العدل وإفاضة الفضل مع الرعاية على الفاصلة .