ثم أمره - عز وجل - للمرة الرابعة أن يبين لهم أن باطلهم سيزول لا محالة وسينتهى أمره انتهاء لن تقوم له بعد قائمة فقال - تعالى - { قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ } .
والإِبداء : هو فعل الأمر ابتداء . والإِعادة : فعله مرة أخرى ، ولا يخلو الحى منهما ، فعدمها كناية عن هلاكه . كما يقول : فلان لا يأكل ولا يشرب ، كناة عن هلاكه .
أى : قل أيها الرسول لهؤلاء الكافرين ، لقد جاء الحق المتمثل فى دين الإِسلام الذى ارسلنى به إليكم ربى ، وما دام الإِسلام قد جاء ، فإن الباطل المتمثل فى الكفر الذى أنتم عليه ، قد آن له أن يذهب وأن يزول ، وأن لا يبقى له أبداء أو إعادة ، فقد اندثر وأهيل عليه بالتراب إلى غير رجعة .
ويتلوه الإيقاع الرابع في مثل عنفه وسرعته :
قل : جاء الحق ، وما يبدىء الباطل وما يعيد . .
جاء هذا الحق في صورة من صوره ، في الرسالة ، وفي قرآنها ، وفي منهجها المستقيم . قل : جاء الحق . أعلن هذا الإعلان . وقرر هذا الحدث . واصدع بهذا النبأ . جاء الحق . جاء بقوته . جاء بدفعته . جاء باستعلائه وسيطرته ( وما يبدىء الباطل وما يعيد ) . . فقد انتهى أمره . وما عادت له حياة ، وما عاد له مجال ، وقد تقرر مصيره وعرف أنه إلى زوال .
إنه الإيقاع المزلزل ، الذي يشعر من يسمعه أن القضاء المبرم قد قضى ، وأنه لم يعد هناك مجال لشيء آخر يقال .
وإنه لكذلك . فمنذ جاء القرآن استقر منهج الحق واتضح . ولم يعد الباطل إلا مماحكة ومماحلة أمام الحق الواضح الحاسم الجازم . ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الأحوال والظروف ، إلا أنها ليست غلبة على الحق . إنما هي غلبة على المنتمين إلى الحق . غلبة الناس لا المبادىء . وهذه موقوتة ثم تزول . أما الحق فواضح بين صريح .
وقوله : { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي : جاء الحق من الله والشرع العظيم ، وذهبَ الباطل وزهق واضمحل ، كقوله : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ {[24406]} ] } [ الأنبياء : 18 ] ، ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة ، جعل يَطعنُ الصنم{[24407]} بسِيَة قَوْسِه ، ويقرأ : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } . رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية ، كلهم من حديث الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن أبي مَعْمَر عبد الله بن سَخبَرَةَ ، عن ابن مسعود ، به{[24408]} .
أي : لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة .
وزعم قتادة والسدي : أن المراد بالباطل هاهنا إبليس ، إنه لا يخلق أحدا ولا يعيده ، ولا يقدر على ذلك . وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد هاهنا{[24409]} والله أعلم .
وقوله { قل جاء الحق } يريد الشرع وأمر الله ونهيه ، وقال قوم يعني السيف ، وقوله { وما يبدىء الباطل وما يعيد } ، قالت فرقة : { الباطل } هو غير { الحق } من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه ، كأنه قال وما يصنع الباطل شيئاً ، وقالت فرقة { الباطل } الشيطان ، والمعنى ما يفعل الشيطان شيئاً مفيداً أي ليس يخلق ولا يرزق ، وقالت فرقة { ما } استفهام كأنهم قال وأي شيء يصنع الباطل ؟ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.