تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

ومن عزته أن { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } على كثرتكم وانتشاركم ، في أنحاء الأرض ، { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وذلك ليسكن إليها وتسكن إليه ، وتتم بذلك النعمة . { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ } أي : خلقها بقدر نازل منه ، رحمة بكم . { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } وهي التي ذكرها في سورة الأنعام { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين }

وخصها بالذكر ، مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها ، لكثرة نفعها ، وعموم مصالحها ، ولشرفها ، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح غيرها ، كالأضحية والهدي ، والعقيقة ، ووجوب الزكاة فيها ، واختصاصها بالدية .

ولما ذكر خلق أبينا وأمنا ، ذكر ابتداء خلقنا ، فقال : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } أي : طورا بعد طور ، وأنتم في حال لا يد مخلوق تمسكم ، ولا عين تنظر إليكم ، وهو قد رباكم في ذلك المكان الضيق { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ } ظلمة البطن ، ثم ظلمة الرحم ، ثم ظلمة المشيمة ، { ذَلِكُمْ } الذي خلق السماوات والأرض ، وسخر الشمس والقمر ، وخلقكم وخلق لكم الأنعام والنعم { اللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : المألوه المعبود ، الذي رباكم ودبركم ، فكما أنه الواحد في خلقه وتربيته لا شريك له في ذلك ، فهو الواحد في ألوهيته ، لا شريك له ، ولهذا قال : { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

ثم ساق - سبحانه - أدلة أخرى على وحدانية فقال : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } .

أى خلقكم - سبحانه - من نفس واحدة هى نفس أبيكم آدم ثم خلق من هذه النفس الواحدة ، زوجها وهى أمكم حواء .

قال الشوكانى : والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثم . للدلالة على أن خلق حواء من ضلع آدم ، أدخل فى كونه آية باهرة دالة على كمال القدرة ؛ لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة فى خلقه ، وخلق حواء على الصفة المذكورة لم تَجرِبه عادة لكونه - تعالى - لم يخلق أنثى من ضلع رجل غيرها .

وقال الجمل : فإن قلت كيف عطف بثم مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه ؟ أجيب بأن ثم هنا للترتيب فى الإِخبار لا فى الإِيجاد . أو المعطوف متعلق بمعنى واحدة ، فثم عاطفة عليه لا على خلقكم ، فمعناه : خلقكم من نفس واحدة أفردت بالإِيجاد ، ثم شفعت بزوجة . أو هو معطوف على خلقكم ، لكن المراد بخلقهم ، خلقهم يوم أخذ الميثاق فدفعة لا على هذا الخلق ، الذى هو فيه الآن بالتوالد والتناسل .

وقوله - تعالى - : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } بيان لبعض آخر من أفعاله - تعالى - الدالة على وحدانيته وقدرته . والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها وهى قوله : { خلقكم } : أى : وأنزل لكم من كل من الإِبل والبقر والغنم والمعز زوجين : ذكرا وأنثى يتم بهما التناسل وبقاء النوع .

قالوا : وعبر - سبحانه - عن الخلق بالإِنزال ، لما يروى أنه - تعالى - خلق هذه الأنواع فى الجنة ثم أنزلها ، فيكون الإِنزال على سبيل الحقيقة .

أو أن الكلام على سبيل المجاز ، لأن هذه الأنعام لا تعيش إلا عن طريق ما تأكلهن من نبات ، والنبات لا يخرج إلا بالماء النازل من السماء فكأن الأنعام نازلة من السماء ، لأن سبب سببها منزل منها . . أو أن " أنزل " هنا بمعنى أنشأ وأوجد . أو لأن الخلق إنما يكون بأمر من السماء .

وقوله - تعالى - { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } بيان لكيفية خلق ما خلقه الله من الأناسى والأنعام بتلك الطريقة العجيبة .

أى أنه - تعالى - يخلقكم - أيها الناس - بقدرته فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ، بأن يحولكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة ، إلى عظام مكسورة باللحم ، ثم يحولكم بعد ذلك إلى خلق آخر ، وهذه المراحل كلها تتم وأنتم فى ظلمات بطون أمهاتكم ، وظلمات الأرحام التى بداخل البطون وظلمات الغشاء الذى بداخل الأرحام والبطون ، وذلك كله من أقوى الأدلة على قدرة الله - تعالى - ورعايته لخلقه .

وصدق الله إذ يقول : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ . فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ . فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون } واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُصْرَفُونَ } يعود إليه - سبحانه - باعتبار أفعاله السابقة . وتصرفون : من الصرف بمعنى الابتعاد عن الشئ إلى غيره .

أى : ذلكم العظيم الشأن الذى ذكرنا لكم بعض مظاهر قدرته ، هو الله ربكم الذى له ملك كل شئ ، والذى لا معبود بحق سواه ، فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ؟ وكيف تزعمون أن له شريكا أو ولدا . . مع توفر الأدلة على بطلان ذلك .

والمتأمل فى هاتين الآيتين يراهما قد ذكرتا ألوانا من البراهين على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، كخلق السموات والأرض بالحق ، وتكوير الليل على النهار ، والنهار على الليل ، وتسخير الشمس والقمر لمنافع الناس ، وخلق الناس جميعا من نفس واحدة ، ورعايتهم بطلفه وإحسانه فى مراحل حياتهم ، وإيجاد الأنعام التى تنفعهم فى شئونهم المختلفة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

ومن تلك اللفتة إلى آفاق الكون الكبير ، ينتقل إلى لمسة في أنفس العباد ؛ ويشير إلى آية الحياة القريبة منهم في أنفسهم وفي الأنعام المسخرة لهم :

( خلقكم من نفس واحدة . ثم جعل منها زوجها . وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج . يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث . ذلكم الله ربكم له الملك . لا إله إلا هو فأنى تصرفون ? ) .

وحين يتأمل الإنسان في نفسه . نفسه هذه التي لم يخلقها . والتي لا يعلم عن خلقها إلا ما يقصه الله عليه . وهي نفس واحدة . ذات طبيعة واحدة . وذات خصائص واحدة . خصائص تميزها عن بقية الخلائق ، كما أنها تجمع كل أفرادها في إطار تلك الخصائص . فالنفس الإنسانية واحدة في جميع الملايين المنبثين في الأرض في جميع الأجيال وفي جميع البقاع . وزوجها كذلك منها . فالمرأة تلتقي مع الرجل في عموم الخصائص البشرية - رغم كل اختلاف في تفصيلات هذه الخصائص - مما يشي بوحدة التصميم الأساسي لهذا الكائن البشري . الذكر والأنثى . ووحدة الإرادة المبدعة لهذه النفس الواحدة بشقيها .

وعند الإشارة إلى خاصية الزوجية في النفس البشرية ترد الإشارة إلى هذه الخاصية في الأنعام كذلك . مما يشي بوحدة القاعدة في الأحياء جميعاً :

( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) :

والأنعام الثمانية كما جاءت في آية أخرى : هي الضأن والمعز والبقر والإبل . من كل ذكر وأنثى . وكل من الذكر والأنثى يسمى زوجاً عند اجتماعهما . فهي ثمانية في مجموعها . . والتعبير يعبر عن تسخيرها للإنسان بأنه إنزال لها من عند الله . فهذا التسخير منزل من عنده . منزل من عليائه إلى عالم البشر . ومأذون لهم فيه من عنده تعالى .

ثم يعود - بعد هذه الإشارة إلى وحدة خاصية الزوجية في الناس والأنعام - إلى تتبع مراحل الخلق للأجنة في بطون أمهاتها :

( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق ) . .

من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام . إلى الخلق الواضح فيه عنصر البشرية .

( في ظلمات ثلاث ) . .

ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين . وظلمة الرحم الذي يستقر فيه هذا الكيس . وظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم . ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة خلقاً من بعد خلق . وعين الله ترعى هذه الخليقة وتودعها القدرة على النمو . والقدرة على التطور . والقدرة على الارتقاء . والقدرة على السير في تمثيل خطوات النفس البشرية كما قدر لها بارئها .

وتتبع هذه الرحلة القصيرة الزمن ، البعيدة الآماد ؛ وتأمل هذه التغيرات والأطوار ؛ وتدبر تلك الخصائص

العجيبة التي تقود خطى هذه الخلية الضعيفة في رحلتها العجيبة . . . في تلك الظلمات وراء علم الإنسان وقدرته وبصره . .

هذا كله من شأنه أن يقود القلب البشري إلى رؤية يد الخالق المبدع . رؤيتها بآثارها الحية الواضحة الشاخصة والإيمان بالوحدانية الظاهرة الأثر في طريقة الخلق والنشأة . فكيف يصرف قلب عن رؤية هذه الحقيقة ? :

( ذلكم الله ربكم له الملك . لا إله إلا هو . فأنى تصرفون ? ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

وقوله : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي : خلقكم مع اختلاف أجناسكم وأصنافكم وألسنتكم وألوانكم من نفس واحدة ، وهو آدم عليه السلام { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ، وهي حواء ، عليهما السلام ، كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً } [ النساء : 1 ] .

وقوله : { وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } أي : وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية ، أزواج وهي المذكورة في سورة الأنعام : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] ، { وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } [ الأنعام : 144 ] .

وقوله : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } أي : قدركم في بطون أمهاتكم { خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ } أي : يكون أحدكم أولا نطفة ، ثم يكون علقة ، ثم يكون مضغة ، ثم يخلق فيكون لحما وعظما وعصبا وعروقا ، وينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر ، { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] .

وقوله : { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ } يعني : ظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد - وظلمة البطن . كذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو مالك ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد وغيرهم .

وقوله : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : هذا الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وخلقكم وخلق آباءكم ، هو الرب له الملك والتصرف في جميع ذلك ، { لا إِلَهَ إِلا هُوَ } أي : الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده ، { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } أي : فكيف تعبدون معه غيره ؟ أين يُذْهَبُ بعقولكم ؟ ! .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

{ خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوء به من خلق الإنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب ، وفيه على ما ذكره ثلاث دلالات : خلق آدم أولا من غير أب وأم ، ثم خلق حواء من قصيراه ، ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما . و{ ثم } للعطف على محذوف هو صفة { نفس } مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها . أو على { خلقكم } لتفاوت ما بين الآيتين ، فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية . وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء . { وأنزل لكم } وقضى أو قسم لكم ، فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ ، أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار . { من الأنعام ثمانية أزواج } ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز . { يخلقكم في بطون أمهاتكم } بيان لكيفية ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهارا لما فيها من عجائب القدرة ، غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون . { خلقا من بعد خلق } حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف . { في ظلمات ثلاث } ظلمة البطن والرحم والمشيمة ، أو الصلب والرحم والبطن . { ذلكم } الذي هذه أفعاله . { الله ربكم } هو المستحق لعبادتكم والمالك . { له الملك لا إله إلا هو } إذ لا يشاركه في الخلق غيره . { فأني تصرفون } يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك .