تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } أي : وامتن على آخرين من غيرهم أي : من غير الأميين ، ممن يأتي بعدهم ، ومن أهل الكتاب ، لما يلحقوا بهم ، أي : فيمن باشر{[1094]}  دعوة الرسول ، ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل ، ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان ، وعلى كل ، فكلا المعنيين صحيح ، فإن الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته ، حصل لهم من الخصائص والفضائل ما لا يمكن أحدًا أن يلحقهم فيها ، وهذا من عزته وحكمته ، حيث لم يترك عباده هملاً ولا سدى ، بل ابتعث فيهم الرسل ، وأمرهم ونهاهم .


[1094]:- كذا في ب، وفي أ: باشروا.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

ثم بين - سبحانه - أن رسالة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - لن يكون نفعها مقصورا على المعاصرين له والذين شاهدوه . . . بل سيعم نفعها من سيجيئون من بعدهم ، فقال - تعالى - : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم . . } .

وقوله : { وَآخَرِينَ } جمع آخر بمعنى الغير ، والجملة معطوفة على قوله قبل ذلك { فِي الأميين . . } فيكون المعنى :

هو - سبحانه - الذى بعث فى الأميين رسولا منهم ، كما بعثه فى آخرين منهم .

{ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أى : لم يجيئوا بعد ، وهم كل من يأتى بعد الصحابة من أهل الإسلام إلى يوم القيامة ، بدليل قوله - تعالى - : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ . . . } أى : وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة ، ولأنذر به جميع من بلغه هذا الكتاب ، ووصلت إليه دعوته من العرب وغيرهم إلى يوم القيامة . . .

وفى الحديث الشريف : " بلغوا عن الله - تعالى - فمن بلغته آية من كتاب الله ، فقد بلغه أمر الله " .

وعن محمد بن كعب قال : من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - .

ويصح أن يكون قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ . . } معطوف على الضمير المنصوب فى قوله : { وَيُعَلِّمُهُمُ . . } فيكون المعنى :

هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويعلم آخرين منهم { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أى : لم يجيئوا بعد وسيجيئون . . . وهم كل من آمن بالرسول من بعد الصحابة إلى يوم القيامة .

قال صاحب الكشاف : وقوله : { وَآخَرِينَ } مجرور عطف على الأميين يعنى : أنه بعثه فى الأميين الذين على عهده ، وفى آخرين من الأميين الذين لم يلحقوا بهم بعد ، وسيلحقون بهم ، وهم الذين بعد الصحابة . .

وقيل : لما نزلت قيل : " من هم يا رسول الله ، فوضع يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من هؤلاء " " .

وقيل : هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم القيامة .

ويجوز أن ينتصب عطفا عل المنصوب فى { وَيُعَلِّمُهُمُ } أى يعلمهم ويعلم آخرين ، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندا إلى أوله ، فكأنه هو الذى تولى كل ما وجد منه .

. .

والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها تشير ‘لى أن دعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - ستبلغ غير المعاصرين له - صلى الله عليه وسلم - وأنهم سيتبعونها ، ويؤمنون بها ، ويدافعون عنها . .

وهذا ما أيده الواقع ، فقد دخل الناس فى دين الله أفواجا من العرب ومن غير العرب ، ومن أهل المشارق والمغارب .

فالآية الكريمة تخبر عن معجزة من معجزات القرآن الكريم ، ألا وهى الإخبار عن أمور مستقبلة أيدها الواقع المشاهد .

وقوله - تعالى - : { وَهُوَ العزيز الحكيم } تذييل المقصود به بيان أن قدرته - تعالى - لا يعجزها شىء ، وأن حكمته هى أسمى الحكم وأسدها .

أى : وهو - سبحانه - العزيز الذى لا يغلب قدرته شىء ، الحكيم فيما يريده ويقدره ويوجده .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، وهو العزيز الحكيم ) . .

وهؤلاء الآخرون وردت فيهم روايات متعددة . .

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " كنا جلوسا عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين لما يلحقوا بهم )قالوا : من هم يا رسول الله ? فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يده على سلمان الفارسي ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " . فهذا يشير إلى أن هذا النص يشمل أهل فارس . ولهذا قال مجاهد في هذه الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من غير العرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي . قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) . . يعني بقية من بقي من أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] .

وكلا القولين يدخل في مدلول الآية . فهي تدل على آخرين غير العرب . وعلى آخرين غير الجيل الذي نزل فيه القرآن . وتشير إلى أن هذه الأمة موصولة الحلقات ممتدة في شعاب الأرض وفي شعاب الزمان ، تحمل هذه الأمانة الكبرى ، وتقوم على دين الله الأخير .

( وهو العزيز الحكيم ) . . القوي القادر على الاختيار . الحكيم العليم بمواضع الاختيار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله .

حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغَيث ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثُّرَيَّا لناله رجال - أو : رجل - من هؤلاء " .

ورواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، من طرق عن ثور بن زيد الدِّيلي{[28810]} عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، به{[28811]}

ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ، وعلى عموم بعثته صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ؛ لأنه فسر قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } بفارس ؛ ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، وإلى اتباع ما جاء به ؛ ولهذا قال مجاهد وغير واحد في قوله : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } قال : هم الأعاجم ، وكل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم من غير العرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي{[28812]} حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال [ من أصحابي رجالا ]{[28813]} ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } {[28814]} يعني : بقية من بقي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } أي : ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره .


[28810]:- (6) في أ: "الديلمي".
[28811]:- (7) صحيح البخاري برقم (4897) وصحيح مسلم برقم (2546) وسنن الترمذي برقم (3310) وسنن النسائي الكبرى برقم (11592) وتفسير الطبري (28/62).
[28812]:- (1) في أ: "الترمذي".
[28813]:- (2) زيادة من الدر المنثور. مستفادًا من هامش ط. الشعب.
[28814]:- (3) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (6/201) وابن أبي عاصم في السنة برقم (309) من طريق الوليد بن مسلم، عن أبي محمد - عيسى بن موسى - به، وقال الهيثمي في المجمع (10/408): "إسناده جيد".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم فآخرون في موضع خفض عطفا على الأميين .

وقد اختلف في الذين عُنوا بقوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك العجم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هم الأعاجم .

حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن طلحة ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هم الأعاجم .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : العجم .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ابن عمر ، أنه قال : له : أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب ، ثم قرأ : يُسَبّحُ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ وَما في الأرْض . حتى بلغ وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : فأنتم هم .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا عبد العزيز وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان بن بلال ، جميعا عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : كنا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ قال : فلم يراجعه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسيّ ، فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم يده على سلمان فقال : «لَوْ كانَ الإيمَانُ عنْدَ الثّرَيّا لَنالَهُ رِجالٌ مِنْ هَولاءِ » .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال المدنّي ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : «كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : إنما عُني بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم كائنا من كان إلى يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : من ردف الإسلام من الناس كلهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم .

وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : غُني بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أيّ الأجناس لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّ لاحق بهم من آخرين ، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع ، فكلّ لاحق بهم فهو من الاَخرين الذي لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله وقوله : لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول : لم يجيئوا بعد وسيجيئون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول : لم يأتوا بعد .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الْحكِيم يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم ، الحكيم في تدبيره خلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وآخرين منهم عطف على الأميين أو المنصوب في يعلمهم وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع لما يلحقوا بهم لم يحلقوا بهم بعد وسيلحقون وهو العزيز في تمكينه من هذا الأمر الخارق للعادة الحكيم في اختياره وتعليمه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

لا يجوز أن يكون { وآخرين } عطفاً على { الأميين } [ الجمعة : 2 ] لأن آخرين يقتضي المغايرة لما يقابله فيقتضي أنه صادق على غير الأميين ، أي غير العرب والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بين غير العرب فتعين أن لا يعطف { وآخرين } على { الأميين } لئلا يتعلق بفعل { بعث مجرور القي ولا على الضمير في قوله : منهم } كذلك .

فهو إما معطوف على الضمير في { عليهم } من قوله : { يتلوا عليهم } [ الجمعة : 2 ] والتقدير : ويتلو على آخرين وإذا كان يتلو عليهم فقد علم أنه مرسل إليهم لأن تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا تلاوة تبليغ لما أُوحي به إليه .

وإما أن يجعل { وآخرين } مفعولاً معه . والواو للمعية ويتنازعه الأفعال الثلاثة وهي « يتلو ، ويزكي ، ويعلم » . والتقدير : يتلو على الأميين آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة مع آخرين .

وجملة { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ الجمعة : 2 ] معترضة بين المعطوف والمعطوف عليها أو بين الضمائر والمفعول معه و { آخرين } : جمع آخر وهو المغاير في وصف مما دل عليه السياق . وإذ قد جعل { آخرين } هنا مقابلاً للأميين كان مراداً به آخرون غير الأميين ، أي من غير العرب المعنيين بالأميين .

فلو حملنا المغايرة على المغايرة بالزمان أو المكان ، أي مغايرين للذين بعث فيهم الرسول ، وجعلنا قوله : { منهم } بمعنى أنهم من الأميين ، وقلنا : أريد وآخرين من العرب غير الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، أي عَرباً آخرين غير أهل مكة ، وهم بقية قبائل العرب ناكده ما روى البخاري ومسلم والترمذي يزيد آخِرهم على الأوَّلَيْن عن أبي هريرة قال : كنّا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال له رجل : مَن هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه حتى سأَل ثلاثاً ، وفينا سلمان الفارسي ووضع رسول الله يده على سلمان وقال : لو كان الإِيمانُ عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ؟ وهذا وارد مورد التفسير لقوله تعالى : { وآخرين } .

والذي يلوح أنه تفسير بالجزئي على وجه المثال ليفيد أن { آخرين } صادق على أمم كثيرة منها أمةُ فارس ، وأما شموله لقبائل العرب فهو بالأوْلى لأنهم مما شملهم لفظ الأميين .

ثم بِنَا أن ننظر إلى تأويل قوله تعالى : { منهم } . فلنا أن نجعل ( مِن ) تبعيضية كما هو المتبادر من معانيها فنجعلَ الضمير المجرور ب ( مِن ) عائداً إلى ما عاد إليه ضمير { كانوا } من قوله : { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [ الجمعة : 2 ] ، فالمعنى : وآخرين من الضَّالين يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم الكتاب والحكمة ولنا أن نجعل ( مِن ) اتصالية كالتي في قوله تعالى : { لست منهم في شيء } [ الأنعام : 159 ] .

والمعنى : وآخرين يتصلون بهم ويصيرون في جملتهم ، ويكون قوله : { منهم } موضع الحال ، وهذا الوجه يناسب قوله تعالى : { لما يلحقوا بهم } لأن اللحوق هو معنى الاتصال .

وموضع جملة { لما يلحقوا بهم } موضع الحال ، وينشأ عن هذا المعنى إيماء إلى أن الأمم التي تدخل في الإِسلام بعد المسلمين الأولِينَ يصيرون مثلهم ، وينشأ منه أيضاً رمز إلى أنهم يتعربون لفهم الدين والنطق بالقرآن فكم من معان جليلة حوتها هذه الآية سكت عنها أهل التفسير .

وهذه بشارة غيبية بأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ستبلغ أُمماً ليسوا من العرب وهم فارس ، والأرمن ، والأكراد ، والبربر ، والسودان ، والروم ، والترك ، والتتار ، والمغول ، والصين ، والهنود ، وغيرهم وهذا من معجزات القرآن من صنف الإِخبار بالمغيبات .

وفي الآية دلالة على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمم .

والنفي ب ( لمَّا ) يقتضي أن المنفي بها مستمر الانتفاء إلى زمن التكلم فيشعر بأنه مترقَّب الثبوت كقوله تعالى : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } [ الحجرات : 14 ] ، أي وسيدخل كما في « الكشاف » ، والمعنى : أن آخرين هم في وقت نزول هذه الآية لم يدخلوا في الإِسلام ولم يلتحقوا بمن أسلم من العرب وسيدخلون في أزمان أخرى .

واعلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم « لو كان الإِيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء » إيماء إلى مثال مما يشمله قوله تعالى : { وآخرين منهم } لأنه لم يصرح في جواب سؤال السائل بلفظ يقتضي انحصار المراد ب { آخرين } في قوم سلمان . وعن عكرمة : هم التابعون . وعن مجاهد : هم الناس كلهم الذين بُعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عمر : هم أهل اليمن .

وقوله : { وهو العزيز الحكيم } تذييل للتعجيب من هذا التقدير الإلهي لانتشار هذا الدين في جميع الأمم . فإن { العزيز } لا يغلب قدرته شيء . و { الحكيم } تأتي أفعاله عن قدر محكم .