تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

ومع هذا إن وجد منهم بعض الإيمان فلا { يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى ، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور ، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده ، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبق عليهم إلا أن يحل بهم العذاب ، ويفجأهم العقاب وهم آمنون ، ولهذا قال : { أَفَأَمِنُوا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

ثم بين - سبحانه - أنهم بجانب غفلتهم وجهالتهم ، لا يؤمنون إيماناً صحيحاً فقال - تعالى - { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } .

أى : وما يؤمن أكثر هؤلاء الضالين بالله في إثقرارهم بوجوده ، وفى اعترافهم بأنه هو الخالق ، إلا وهم مشركون به في عقيدتهم وفى عبادتهم وفى تصرفاتهم ، فإنهم مع اعترافهم بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله لكنهم مع ذلك كانوا يتقربون إلى أصنامهم بالعبادة ويقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى } والآية تشمل كل شرك سواء أكان ظاهراً أم خفياً ، كبيراً أم صغيراً . وقد ساق ابن كثير هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى ، كلها تنهى عن الشرك أياً كان لونه ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : " عندما سئل أى الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " ومنها قوله ؛ " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " " .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : ما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء " .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : فيما يرويه عن ربه - عز وجل - يقول الله - تعالى - " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معى غيرى ، تركته وشركه " .

فالآية الكريمة تنهى عن كل شرك ، وتدعو إلى إخلاص العبادة والطاعة لله رب العالمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

وحتى الذين يؤمنون ، كثير منهم يتدسس الشرك - في صورة من صوره - إلى قلوبهم . فالإيمان الخالص يحتاج إلى يقظة دائمة تنفي عن القلب أولا بأول كل خالجة شيطانية ، وكل اعتبار من اعتبارات هذه الأرض في كل حركة وكل تصرف ، لتكون كلها لله ، خالصة له دون سواه . والإيمان الخالص يحتاج إلى حسم كامل في قضية السلطان على القلب وعلى التصرف والسلوك فلا تبقى في القلب دينونة إلا لله سبحانه ، ولا تبقى في الحياة عبودية إلا للمولى الواحد الذي لا راد لما يريد :

( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) . .

مشركون قيمة من قيم هذه الأرض في تقريرهم للأحداث والأشياء والأشخاص . مشركون سببا من الأسباب مع قدرة الله في النفع أو الضر سواء . مشركون في الدينونة لقوة غير قوة الله من حاكم أو موجه لا يستمد من شرع الله دون سواه . مشركون في رجاء يتعلق بغير الله من عباده على الإطلاق . مشركون في تضحية يشوبها التطلع إلى تقدير الناس . مشركون في جهاد لتحقيق نفع أو دفع ضر ولكن لغير الله . مشركون في عبادة يلحظ فيها وجه مع وجه الله . . لذلك يقول رسول الله [ ص ] : " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " .

وفي الأحاديث نماذج من هذا الشرك الخفي :

روى الترمذي - وحسنه - من رواية ابن عمر : " من حلف بغير الله فقد أشرك " .

وروى أحمد وأبو داود وغيره عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ ص ] : " إن الرقى والتمائم شرك " .

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله [ ص ] : " من علق تميمة فقد أشرك " .

وعن أبي هريرة - بإسناده - قال : قال رسول الله [ ص ] : " يقول الله : أنا أغني الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشريكه " .

وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد ابن أبي فضالة قال : سمعت رسول الله [ ص ] يقول : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ينادي مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " .

وروى الإمام أحمد - بإسناده - عن محمود بن لبيد أن رسول الله [ ص ] قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء . يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جاء الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء " ؟

فهذا هو الشرك الخفي الذي يحتاج إلى اليقظة الدائمة للتحرز منه ليخلص الإيمان .

وهناك الشرك الواضح الظاهر ، وهو الدينونة لغير الله في شأن من شؤون الحياة . الدينونة في شرع يتحاكم إليه - وهو نص في الشرك لا يجادل عليه - والدينونة في تقليد من التقاليد كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها الله . والدينونة في زي من الأزياء يخالف ما أمر الله به من الستر ويكشف أو يحدد العورات التي نصت شريعة الله أن تستر . .

والأمر في مثل هذه الشؤون يتجاوز منطقة الإثم والذنب بالمخالفة حين يكون طاعة وخضوعا ودينونة لعرف اجتماعي سائد من صنع العبيد ، وتركا للأمر الواضح الصادر من رب العبيد . . إنه عندئذ لا يكون ذنبا ، ولكنه يكون شركا . لأنه يدل على الدينونة لغير الله فيما يخالف أمر الله . . وهو من هذه الناحية أمر خطير .

ومن ثم يقول الله :

( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) . .

فتنطبق على من كان يواجههم رسول الله في الجزيرة ، وتشمل غيرهم على تتابع الزمان وتغير المكان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

وقوله : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } قال ابن عباس : من إيمانهم ، إذا قيل لهم : من خلق السموات ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا : " الله " ، وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد ، وعطاء وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وهكذا في الصحيحين{[15346]} أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك . وفي الصحيح : أنهم كانوا إذا قالوا : " لبيك لا شريك لك " يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قَدْ قَدْ " ، أي حَسْبُ حَسْبُ ، لا تزيدوا على هذا{[15347]} .

وقال الله تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] وهذا هو الشرك الأعظم الذي يعبد مع الله غيره ، كما في الصحيحين . عن ابن مسعود قلت : يا رسول الله ، أيّ الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خَلَقَك " {[15348]} .

وقال الحسن البصري في قوله : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } قال : ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس ، وهو مشرك بعمله ذاك ، يعني قوله تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 142 ] .

وثمَّ شرك آخر خفي لا يشعر به غالبًا فاعله ، كما روى حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النَّجُود ، عن عُرْوَة قال : دخل حذيفة على مريض ، فرأى في عضده سيرًا فقطعه - أو : انتزعه - ثم قال : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }

وفي الحديث : " من حلف بغير الله فقد أشرك " . رواه الترمذي وحسنَّهَ من رواية ابن عمر{[15349]}

وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرُّقَى والتَّمائِم والتِّوَلة شرْك " {[15350]} .

وفي لفظ لهما : " [ الطيَرة شرك ]{[15351]} وما منَّا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " {[15352]} .

ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مُرّة ، عن يحيى الجزار{[15353]} عن ابن أخي ، زينب [ عن زينب ]{[15354]} امرأة عبد الله بن مسعود قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح{[15355]} وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ، قالت : وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحُمْرَة فأدخلتها تحت السرير ، قالت : فدخل فجلس إلى جانبي ، فرأى في عنقي خيطا ، قال : ما هذا الخيط ؟ قالت : قلت : خيط رُقِى لي فيه . قالت : فأخذه فقطعه ، ثم قال : إن آل عبد الله لأغنياءٌ عن الشرك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك " . قالت ، قلت له : لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف ، فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، فكان إذا رقاها سكنت ؟ قال : إنما ذاك من الشيطان . كان ينخسها بيده ، فإذا رقيتها كف عنها : إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أذهب البأس رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سَقَمًا " {[15356]} .

وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد ، عن وَكِيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى بن عبد الرحمن قال : دخلنا على عبد الله بن عُكَيْم{[15357]} وهو مريض نعوده ، فقيل له : تَعَلَّقت شيئا ؟ فقال : أتعلق شيئا ! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تَعَلَّق شيئا وُكِلَ إليه " {[15358]} ورواه النسائي عن أبي هريرة{[15359]} .

وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من علَّق تميمة فقد أشرك " وفي رواية : " من تَعَّلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودَعَةً فلا ودع الله له " {[15360]} وعن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشِرْكه " . رواه مسلم{[15361]} .

وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ، ينادي مناد : من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك " . رواه أحمد{[15362]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا لَيْث ، عن يزيد - يعني : ابن الهاد - عن عمرو ، عن محمود بن لبيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخْوَف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " . قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء ، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " {[15363]} .

وقد رواه إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لَبِيد ، به{[15364]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، أنبأنا ابن لَهِيعة ، أنبأنا ابن هُبَيْرة ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ردته الطيرة عن حاجة ، فقد أشرك " . قالوا : يا رسول الله ، ما كفارة ذلك ؟ قال : " أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك{[15365]} ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك " {[15366]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي ، عن أبي علي - رجل من بني كاهل - قال : خطبنا أبو موسى الأشعري فقال : يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك ، فإنه أخفى من دَبِيب النمل . فقام عبد الله بن حَزْن وقيس بن المضارب فقالا والله لتخرجن{[15367]} مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ، قال : بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول

الله صلى الله عليه وسلم [ ذات يوم ]{[15368]} فقال : " يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل " . فقال له من شاء الله أن يقول : فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : اللهم إنا نعوذ بك [ من ]{[15369]} أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه " {[15370]} .

وقد روي من وجه آخر ، وفيه أن السائل في ذلك هو الصّدّيق ، كما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ، من حديث عبد العزيز بن مسلم ، عن لَيْث بن أبي سليم ، عن أبي محمد ، عن مَعْقِل بن يَسَار قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال : حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل " . فقال أبو بكر : وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلها آخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " . ثم قال : " ألا أدلّك على ما يُذهب عنك صَغِير ذلك وكبيره ؟ قل : اللهم ، أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك مما لا أعلم " {[15371]} .

وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ، عن شيبان بن فَرُّوخ ، عن يحيى بن كثير ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا " . قال : فقال أبو بكر : يا رسول الله ، فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال : " ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئتَ من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟ " . قال : بلى ، يا رسول الله ، قال : " قل : اللهم ، إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم " {[15372]} .

قال الدارقطني : يحيى بن كثير هذا يقال له : " أبو النضر " ، متروك الحديث .

وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، والنسائي ، من حديث يعلى بن عطاء ، سمعت عمرو بن عاصم{[15373]} سمعت أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله إذا أصبحتُ ، وإذا أمسيتُ ، وإذا أخذت مضجعي . قال : " قل : اللهم ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، ربّ كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه " {[15374]} .

وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ، [ عن مجاهد ]{[15375]} عن أبي بكر الصديق قال :

أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول . . . فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره : " وأن أقترف على نفسي سُوءًا أو أجُرّه إلى مسلم " {[15376]} .


[15346]:- في ت ، أ : "في صحيح مسلم".
[15347]:- صحيح مسلم برقم (1185/22).
[15348]:- صحيح البخاري برقم (4477) وصحيح مسلم برقم (68).
[15349]:- سنن الترمذي برقم (1535).
[15350]:- المسند (1/381) وسنن أبي داود برقم (3883) ورواه ابن ماجه في السنن برقم (3530).
[15351]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند وسنن أبي داود.
[15352]:- المسند (1/389) وسنن أبي داود برقم (3910).
[15353]:- في ت ، أ : "يحيى بن الجزار".
[15354]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15355]:- في ت : "تنجيح".
[15356]:- المسند (1/381).
[15357]:- في ت : "حكيم".
[15358]:- المسند (4/310) ورواه الترمذي في السنن برقم (2072) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى به ، وقال الترمذي : "وحديث عبد الله بن حكيم إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الله بن حكيم لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[15359]:- سنن النسائي (7/112).
[15360]:- المسند (4/156) وقال المنذري في الترغيب (4/307) : "رجاله ثقات".
[15361]:- صحيح مسلم برقم (2985).
[15362]:- المسند (4/215).
[15363]:- المسند (5/428) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.
[15364]:- رواه البغوي في شرح السنة (14/333) من طريق علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر به.
[15365]:- في ت : "لا غير إلا غيرك".
[15366]:- المسند (2/220) ورواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة (ص 293) من طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة به ، فصح الحديث بحمد الله.
[15367]:- في ت : "ليخرجن".
[15368]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15369]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15370]:- المسند (4/403).
[15371]:- مسند أبي يعلى (1/62) ورواه ابن جريج عن ليث ، عن أبي محمد ، عن حذيفة نحوه ، وأخرجه أبو يعلى في المسند (1/60) وأبو محمد مجهول ، وليث بن أبي سليم ضعيف.
[15372]:- ورواه أبو نعيم في الحلية (7/112) من طريق يحيى بن محمد البختري ، عن شيبان بن فروخ به نحوه ، وقال : "تفرد به عن الثوري يحيى بن كثير".
[15373]:- في هـ ، أ : "عاص" والمثبت من ت والمسند.
[15374]:- المسند (1/9) وسنن أبي داود برقم (5067) وسنن الترمذي برقم (3392) والنسائي في السنن الكبرى برقم (7691).
[15375]:- زيادة من ت ، أ.
[15376]:- المسند (1/14).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مّشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف عزّ وجلّ صفتهم بقوله : وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السّمَواتِ والأرْضِ يَمْرّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ بالله ، أنه خالقه ورازقه وخالق كلّ شيء ، إلا وهم به مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام ، واتخاذهم من دونه أربابا ، وزعمهم أنه له ولدا ، تعالى الله عما يقولون .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ . . . الآية ، قال : من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء ، ومن خلق الأرض ، ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله . وهم مشركون .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سمالك ، عن عكرمة ، في قوله : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال : تسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض ، فيقولون : الله . فذلك إيمانهم بالله ، وهم يعبدون غيره .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وعكرمة : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ . . . الآية ، قالا : يعلمون أنه ربهم ، وأنه خلقهم ، وهم مشركون به .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وعكرمة بنحوه .

قال : حدثنا ابن نمير ، عن نصر ، عن عكرمة : وَما يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال : من إيمانهم إذا قيل لهم : من خلق السموات ؟ قالوا : الله وإذا سئلوا : من خلقهم ؟ قالوا : الله وهم يشركون به بعد .

قال : حدثنا أبو نعيم ، عن الفضل بن يزيد الثمالي ، عن عكرمة ، قال : هو قول الله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَيَقُولُنّ اللّهُ فإذا سئلوا عن الله وعن صفته ، وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمَا يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا ، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال : إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا هانىء بن سعيد وأبو معاوية ، عن حجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد ، قال : يقولون : الله ربنا ، وهو يرزقنا وهم يشركون به بعد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : إيمانهم قولهم : الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عكرمة ومجاهد وعامر ، أنهم قالوا في هذه الآية : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال : ليس أحد إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض ، فهذا إيمانهم ، ويكفرون بما سوى ذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ في إيمانهم هذا ، إنك لست تلقى أحدا منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه ورزقه ، وهو مشترك في عبادته .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وما يُؤْمِنُ أكْثَرهُمْ باللّهِ . . . الآية ، قال : لا تسأل أحدا من المشركين من ربك إلا قال : ربي الله ، وهو يشرك في ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ يعني النصارى . يقول : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنّ الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقُهُمْ لَيَقُولُنّ الله ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض ؟ ليقولنّ الله . وهم من ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون للأنداد دونه .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : كانوا يشركون به في تلبيتهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : وَما يُؤْمِنُ أكْثرُهُمْ باللّهِ . . . الآية ، قال : يعلمون أن الله ربهم ، وهم يشركون به بعد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال : يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم ، وهم يشركون به .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : سمعت ابن زيد يقول : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللّهِ . . . الآية ، قال : ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ، ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه ، وهو يشرك به ألا ترى كيف قال إبراهيم : أفَرأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فإنّهُمْ عَدُوّ لي إلاّ رَبّ العَالَمِينَ قد عرف أنهم يعبدون ربّ العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به ، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ؟ المشركون كانوا يقولون هذا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

{ وما يؤمن أكثرهم بالله } في إقراراهم بوجوده وخالقيته . { إلا وهم مشركون } بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا . ونسبة التبني إليه تعالى ، أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك . وقيل الآية في مشركي مكة . وقيل في المنافقين . وقيل في أهل الكتاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

وقوله : { وما يؤمن أكثرهم } الآية ، قال ابن عباس : هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه ، أو من حيث قالوا عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله . وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب ، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت ، فسماه إيماناً وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام -فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها . وقيل : هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك ، يقول له : قط قط ، أي قف هنا ولا تزد : إلا شريك هو لك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

جملة { وما يؤمن أكثرهم بالله } في موضع الحال من ضمير { يمرون } أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون ، والمراد ب { أكثر الناس } أهل الشرك من العرب . وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلهية .

والاستثناء من عموم الأحوال ، فجملة { وهم مشركون } حال من { أكثرهم } . والمقصود من هذا تشنيع حالهم . والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء بما يشبه ضده على وجه التهكم . وإسناد هذا الحكم إلى { أكثرهم } باعتبار أكثر أحْوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك . وليس المراد أن بعضاً منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلها آخر .