الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } عكرمة في قول الله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } قال : من إيمانهم إذا سُئِلوا : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله ، وإذا سُئِلوا مَن نزّل القطر ؟ قالوا : الله ، ثمّ هُم يُشركون ، وروى جابر عن عكرمة وعامر ، في قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } قالا : يؤمنون بالله أنّه ربّهم وهو خالقهم ويشركون مَن دونه ، وهذا قول أكثر المفسّرين .

وروى بن جبير عن الضحّاك عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في تلبية مشركي العرب وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيّك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك ، تملكه وما ملك ، وكان فيها يخزونك من تلبي : فأجب يا الله لولا أن بكراً دونك بني غطفان وهم يلونك ، ينزل الناس ويخزونك ، ما زال منا غنجاً يأتونك ، وكانت تلبية حرمهم : خرجنا عبادك الناس طرف وهم تلادك ، وهم قديماً عمّروا بلادك ، وقد تعادوا فيك من يعادك ، وكانت تلبية قريش : ( اللهمّ لبيّك ، لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك ) ، وكانت تلبية حمدان وغسان وقضاعة وجذام وتلقين وبهرا : نحن عبادك اليماني إنّا نحجّ ثاني [ على الطريق الناجي نحن نعادي ] جئنا إليك حادي . فأنزل الله { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } يعني في التلبية .

وقال : لمّا سمع المشركون ما قبل هذه الآية من الآيات قالوا : فإنّا نؤمن بالله الذي خلق هذه الأشياء ولكنّا نزعم أنّ له شريكاً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

عطاء : هذا في الدعاء وذلك أنّ الكفّار أشركوا بربّهم في الرخاء ، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ، بيانه قوله تعالى :

{ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ يونس : 22 ] وقوله تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ لقمان : 32 ] وقوله : { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ } [ يونس : 12 ] وقوله : { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } [ فصلت : 51 ] .

وقال بعض أهل المعاني : معناه وما يؤمن أكثرهم باللهِ إلاّ وهم مشركون قبل إيمانهم ، نظيره قوله تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } [ ق : 36 ] يعني كانوا هم أشدّ منهم بطشاً . وقال وهب : هذه في وقعة الدُخَان وذلك أنّ أهل مكّة لمّا غشيهم الدخان في سنيّ القحط قالوا : ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون ، وذلك إيمانهم وشكرهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب بيانه قوله : { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ }

والعود لا يكون ، إلاّ بعد ابتداء والله أعلم