التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

قوله : { مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } نزلت في المشركين الذين أقروا بأن الله خالقهم وخالق كل شيء لكنهم مع إيمانهم هذا يعبدون مع الله آلهة أخرى كالأوثان ونحوها . هكذا قال أكثر المفسرين . وهذا ضرب من الإيمان المضلل المرفوض . الإيمان الذي يخالطه الإشراك بالله ، أو تتخذ معه الأنداد والآلهة المصطنعة لتكون شركاء لله . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

ذلك أن الإيمان الصحيح لا يحتمل أيما صورة من صور الإشراك أو الازدواجية في الخضوع أو الخشوع أو الامتثال الذليل . فما من صورة من صور التوجه أو الاستسلام لغير الله مع الله إلا كان ذلك ضربا من ضروب الإشراك الذي لا يقام معه للإيمان وزن أو قيمة .

ويأتي في جملة الذين يؤمنون وهم مشركون ، أهل الكتاب الذين يجحدون رساله الإسلام أشد جحود ويكذبون محمدا صلى الله عليه وسلم أيما تكذيب ، فضلا عن إشراكهم مع الله آلهة أخرى كعزيز والمسيح .

وكذلك المشركون الوثنيون الذين لا يجحدون الإيمان بالله البتة ، إلا أنهم مع إيمانهم هذا يعبدون مع الله آلهة أخرى كالذين يعبدون الصنم أو النار أو البقر أو غير ذلك من الطواغيت والجبابرة من الملوك ، أولئك جميعا مشركون لا يقيم الله لإيمانهم وزنا .

وكذلك المنافقون الذين يراءون الناس ؛ فإنهم يندرجون في الذين يؤمنون بالله وهم مشركون ؛ فليس لإيمانهم أو أعمالهم أيما اعتبار . روي الإمام أحمد عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : ( الرياء ، يقول الله تعالى يوم القيامة- إذ جازى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا عل تجدون عندهم جزاء ؟ ) .

وعن أبي موسى الأشعري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : ( يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك ؛ فإنه أخفى من دبيب النمل ) فقال له من شاء الله : فكيف نتقه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال : ( قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن تشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه ) .