ثم بين - سبحانه - أحوال المجرمين عند الحشر فقال : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } .
أى : اذكر - أيها العاقل - يوم ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الثانية ، ونحشر المجرمين يومئذ ونجمعهم للحساب حالة كونهم زرق العيون من شدة الهول ، أو حالة كونهم " زرقا " أى : عميا ، لأن العين إذا ذهب ضوؤها أزرق ناظرها . أو " زرقا " معناه : عطاشا ، لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق .
قال - تعالى - : { وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ }
ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الصُّور ، فقال : " قَرنٌ يُنفَخ فيه " {[19492]} .
وقد جاء في حديث " الصور " من رواية أبي هريرة : أنه قرن عظيم ، الدَّارة منه بقدر السماوات والأرض ، ينفخ فيه إسرافيل ، عليه السلام . وجاء في الحديث : " كيف أنعَمُ وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن ، وحنى جبهته ، وانتظر أن يؤذن له " فقالوا : يا رسول الله ، كيف نقول ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " {[19493]} .
وقوله : { وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا } قيل : معناه زُرْق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال .
وقوله : " يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ " يقول تعالى ذكره : وساء لهم يوم القيامة ، يوم ينفخ في الصور ، فقوله : " يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ " ردّ على يوم القيامة . وقد بيّنا معنى النفخ في الصور ، وذكرنا اختلاف المختلفين في معنى الصور ، والصحيح في ذلك من القول عندي بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع قبل .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار« يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ » بالياء وضمها على ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : يوم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور . وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ ذلك «يَوْمَ نَنْفُخُ فِي الصّورِ » بالنون بمعنى : يوم ننفخ نحن في الصور ، كأن الذي دعاه إلى قراءة ذلك كذلك طلبه التوفيق بينه وبين قوله : " ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ " إذ كان لا خلاف بين القرّاء في نحشر أنها بالنون .
قال أبو جعفر : والذي أختار في ذلك من القراءة يوم ينفخ بالياء على وجه ما لم يسمّ فاعله ، لأن ذلك هو القراءة التي عليها قرّاء الأمصار وإن كان للذي قرأ أبو عمرو وجه غير فاسد .
وقوله : " ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقا " يقول تعالى ذكره : ونسوق أهل الكفر بالله يومئذٍ إلى موقف القيامة زرقا ، فقيل : عنى بالزرق في هذا الموضع : ما يظهر في أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الحشر لرأي العين من الزرق . وقيل : أريد بذلك أنهم يحشرون عميا ، كالذي قال الله " وَنحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيا " .
{ يوم ينفخ في الصور } وقرأ أبو عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الأمر به تعظيما له أو للنافخ . وقرىء بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير الله أو ضمير إسرافيل وإن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك ، وقرىء { في الصور } وهو جمع صورة وقد سبق بيان ذلك { ونحشر المجرمين يومئذ } وقرىء " ويحشر المجرمون " { زرقا } زرق العيون وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العين ولذلك قالوا : صفة العدو أسود الكبد أصهب السبال ، أزرق العين أو عميا ، فإن حدقة الأعمى تزراق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.