البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا} (102)

ويوم ننفخ بدل من يوم القيامة .

وقرأ الجمهور { يُنفخ } مبنياً للمفعول { ونحشر } بالنون مبنياً للفاعل بنون العظمة .

وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد : ننفخ بنون العظمة لنحشر أسند النفخ إلى الآمرية ، والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة و { الصور } تقدم الكلام فيه في الأنعام .

وقرئ يَنْفُخُ ويَحْشُرُ بالياء فيهما مبنياً للفاعل .

وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة { في الصور } على وزن درر والحسن : يُحْشَرُ ، بالياء مبنياً للمفعول ، ويَحْشُرُ مبنياً للفاعل ، وبالياء أي ويحشر الله .

الزرقة : لون معروف ، يقال : زرقت عينه وازرَّقت وازراقت .

والظاهر أن المراد بالزرق زرقة العيون ، والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ، ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد ، أصهب السبال ، أزرق العين .

وقال الشاعر :

وما كنت أخشى أن تكون وفاته***بكفي سبنتي أزرق العين مطرق

وقد ذكر في آية أخرى أنهم يحشرون سود الوجوه ، فالمعنى تشويه الصورة من سواد الوجه وزرقة العين وأيضاً فالعرب تتشاءم بالزرقة .

قال الشاعر :

لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر***ألا كل عليسى من اللؤم أزرق

وقيل : المعنى عمياً لأن العين إذا ذهب نورها ازرقَّ ناظرها ، وبهذا التأويل يقع الجمع بين قوله { زرقاً } في هذه الآية و { عمياً } في الآية الأخرى .

وقيل : زرق ألوان أبدانهم ، وذلك غاية في التشويه إذ يجيئون كلون الرماد وفي كلام العرب يسمى هذا اللون أزرق ، ولا تزرق الجلود إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها .

وقيل : { زرقاً } عطاشاً والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض ، ومنه قولهم سنان أزرق وقوله :

فلما وردن الماء زرقاً جمامه . . .

أي ابيض ، وذكرت الآيتان لابن عباس فقال : ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها زرقاً وحالة يكونون عمياً .