اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا} (102)

قوله : { يَوْمَ يُنْفَخُ }{[26689]} " يَوْمَ " بدل من " يَوْمَ القِيَامَةِ " {[26690]} ، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل ، أو خبر مبتدأ مضمر ، وبُنِيَ{[26691]} على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة " هَذَا يَوْمُ يَنْفَع " {[26692]} وقد تقدَّم . وقرأ أبو عمرو " نَنْفُخُ " مبنيّاً للفاعل بنون العظمة كقوله : { وَنَحْشُر } أسند الفعل إلى{[26693]} الأمر به تعظيماً للمأمور ، وهو إسرافيل . والباقُونَ مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول{[26694]} ، والقائم{[26695]} مقام الفاعل الجار والمجرور{[26696]} بعده . والعامة على إسكان الواو " في الصًّورِ " .

وقرأ الحسن وابن عامر{[26697]} بفتحها جمع صورة كغُرَف جمع غُرْفَة ، وقد تقدم القول في الصُّور في الأنعام{[26698]} ( وقرئ : " يَنْفُخَ ، وَيَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل{[26699]} ، وهو الله تعالى أو المَلَك ){[26700]} . وقرأ الحسن وحميد " يُنْفَخُ " كالجمهور{[26701]} ، " ويَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل{[26702]} ، والفاعل{[26703]} كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك . وروي عن الحسن أيضاً " ويُحْشَرُ " مبينَّا للمفعول " المُجْرِمُونَ " {[26704]} رفع به{[26705]} و " زُرْقاً " حال من المجرمين{[26706]} ، والمراد زرقةُ العُيون ، وجاءت الحال هنا بصفة تشبه اللازمة{[26707]} ، لأن أصلها على عدم اللزوم ، ولو قلتَ في الكلام : جاءَنِي زيدٌ أزرق العينين لم يجز{[26708]} إلا بتأويل{[26709]} .

فصل

قيل : الصور قرن ينفخ فيه بدعائه الناس للحشر . وقيل : إنه جمع{[26710]} صورة ، والنَّفخُ نفخ الرُّوح فيه ، ويدل عليه قراءة من قرأ " الصٌّوَر " بفتح الواو{[26711]} .

والأول أولى لقوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور }{[26712]} والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شُوهِدَ في الدنيا ، ومن عادة الناس النفخُ في البوق عند الأسفار وفي العساكر{[26713]} . والمراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لقوله بعد ذلك : { وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } فالنفخ في الصور كالسبب لحشرهم ، فهو كقوله : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }{[26714]} {[26715]} . والزرقة هي الحضرة في سواد العين ، فيُحْشَرُون زرق العيون سود الوجوه{[26716]} . فإن قيل : أليس أنَّ الله تعالى{[26717]} أخبر يُحْشَرُونَ عُمْياً{[26718]} فكيف يكون أعمى وأزرق{[26719]} ؟

فالجواب لعله يكون أعمى في حال : وأزرق في حال{[26720]} .

وقيل : " زُرْقاً " أي عُمْياً{[26721]} ، قال الزجاج : يخرجون زُرْقاً في أول الأمر ويُعْمَون في المحشر{[26722]} .

وسوادُ العين إذا ذهب تزرق{[26723]} . فإن قيل : كيف يكون أعمى ، وقد{[26724]} قال الله تعالى : { لِيَوْمٍ{[26725]} تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار }{[26726]} وشخوص البصر{[26727]} من الأعمى محال ، وأيضاً قد{[26728]} قال في حقهم : { اقرأ كَتَابَكَ }{[26729]} والأَعْمَى كيف يقرأ ؟

فالجواب أن أحوالهم قد تختلف{[26730]} . وقيل : المراد بقوله : { زُرْقاً } أي زرق العيون ، والعرب تتشاءَمُ بها . وقيل يجتمع مع الزرقة سواد{[26731]} الوجه .

قال أبو مسلم : المراد بالزرقة شخوص أبصارهم ، والأزرق شاخص فإنه لضعف بصره يكون محدِّقاً نحو الشيء ، وهذه حال{[26732]} الخائف المتوقع لما يكره ، وهي كقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار{[26733]} }{[26734]} .

وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : " زُرْقاً " عِطَاشاً{[26735]} ، قال لأنهم من شدة العطش يتغير سوادُ أعينهم حتى تزرَقُّ لقوله{[26736]} تعالى : { وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً }{[26737]} {[26738]} وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي{[26739]} : " زُرْقاً " طامعين ( فيما لا يَنَالُونَه{[26740]} ){[26741]} .

فصل

قالت المعتزلة : لفظُ المجرمين يتناول الكفار والعُصاة فيدل على عدم العفو عن{[26742]} العصاة . وقال{[26743]} ابن عباس : يريدُ بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهاً آخر وتقدم هذا البحث{[26744]} .


[26689]:في ب: يوم ينفخ في الصور.
[26690]:في الآية السابقة: (100). البحر المحيط 6/278.
[26691]:في ب: وهو. وهو تحريف.
[26692]:من قوله تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} [المائدة: 119] وذكر ابن عادل هناك: الجمهور على رفعه من غير تنوين ونافع على نصبه من غير تنوين، فأما قراءة الجمهور فواضحة على المبتدأ والخبر، فالجملة في محل نصب بالقول، وجملة "ينفع الصادقين" في محل جر بالإضافة، وأما قراءة نافع فـ "هذا" مبتدأ، و"يوم" خبره كالقراءة الأولى، وإنما بني الظرف لإضافته إلى الجملة الفعلية وإن كانت معربة وهذا مذهب الكوفيين، واستدلوا عليه بهذه القراءة وأما البصريون فلا يجيزون البناء إلا إذا صُدّرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض وخرّجوا هذه القراءة على أنّ "يوم" منصوب على الظرف، وهو متعلق في الحقيقة بخبر المبتدأ، أي: هذا واقع أو يقع في يوم ينفع، و"ينفع" في محل خفض بالإضافة.
[26693]:في ب: في. وهو تحريف.
[26694]:السبعة (424)، الحجة لابن خالويه (247)، الكشف 2/106، النشر 2/332، الإتحاف (307).
[26695]:في ب: وهو قائم. وهو تحريف.
[26696]:في ب: على الجار والمجرور. وهو تحريف.
[26697]:في ب: وابن عامر في رواية.
[26698]:عند قوله تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور} [الأنعام: 73].
[26699]:البحر المحيط 6/278.
[26700]:ما بين القوسين سقط من ب.
[26701]:في ب: وقرأ "ينفخ" و"يحشر" كالجمهور. وهو تحريف.
[26702]:البحر المحيط 6/278.
[26703]:والفاعل: سقط من ب.
[26704]:المختصر : (90) البحر المحيط 6/278.
[26705]:في ب: مفعول به. وهو تحريف.
[26706]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/77، القرطبي 11/244.
[26707]:في ب: ها هنا من الملازمة. وهو تحريف.
[26708]:في ب: لم يجز به. وهو تحريف.
[26709]:الأصل في الحال أن تكون منتقلة، وتأتي لازمة في: أ – أن تكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها نحو زيد أبوك عطوفا، أو لعاملها نحو قوله تعالى: {ويوم أبعث حيا} [مريم: 33] أو لصاحبها نحو قوله تعالى: {لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [يونس: 99]. ب- أن يدل عاملها على تجدّد صاحبها وحدوثه نحو خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، فـ (أطول) حال ملازمة من (يديها). ج – أن مرجعها إلى السماع نحو قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران: 18] إذا أعرب (قائما) حالا من فاعل (شهد). والآية التي بين أيدينا من النوع الثاني، وفي المثال لا يمكن حمله على التجدد لعدم دلالة ذلك في العامل. انظر شرح التصريح 1/367 – 368.
[26710]:في ب: اسم. وهو تحريف.
[26711]:وهي قراءة الحسن وابن عامر.
[26712]:[المدثر: 8].
[26713]:الفخر الرازي 22/114.
[26714]:[النبأ: 17].
[26715]:الفخر الرازي 22/114.
[26716]:وهو قول الضحاك ومقاتل. وانظر البغوي 5/457، والفخر الرازي 22/114.
[26717]:تعالى: سقط من ب.
[26718]:قال الله تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما} [الإسراء: 97].
[26719]:في ب: أعمى وأزرق العيون.
[26720]:الفخر الرازي 22/411.
[26721]:قاله الكلبي. انظر الفخر الرازي 22/114.
[26722]:قال الزجاج: (يخرجون من قبورهم بصراء كما خلقوا أول مرة ويعمون في المحشر) معاني القرآن وإعرابه 3/376.
[26723]:انظر الفخر الرازي 22/114.
[26724]:قد: سقط من ب.
[26725]:في ب: يوم. وهو تحريف.
[26726]:[إبراهيم: 42].
[26727]:في ب: الأبصار.
[26728]:قد: سقط من ب.
[26729]:من قوله تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: 14].
[26730]:الفخر الرازي 22/114.
[26731]:في ب: وقيل يجتمع بين الزرقة وسواد الوجه.
[26732]:في ب: حالة.
[26733]:[إبراهيم: 42].
[26734]:الفخر الرازي 22/114.
[26735]:مجالس ثعلب 1/325.
[26736]:في الأصل: كقوله.
[26737]:[مريم: 86].
[26738]:انظر الفخر الرازي 22/115.
[26739]:في ب: عن ابن الأعرابي أيضا.
[26740]:انظر الفخر الرازي 22/115.
[26741]:ما بين القوسين في الأصل: على ما لا ينالوه، وفي ب: على مما ينالوه.
[26742]:في الأصل: عنهم.
[26743]:في الأصل: قال.
[26744]:انظر الفخر الرازي 22/114.