قوله : { يَوْمَ يُنْفَخُ }{[26689]} " يَوْمَ " بدل من " يَوْمَ القِيَامَةِ " {[26690]} ، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل ، أو خبر مبتدأ مضمر ، وبُنِيَ{[26691]} على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة " هَذَا يَوْمُ يَنْفَع " {[26692]} وقد تقدَّم . وقرأ أبو عمرو " نَنْفُخُ " مبنيّاً للفاعل بنون العظمة كقوله : { وَنَحْشُر } أسند الفعل إلى{[26693]} الأمر به تعظيماً للمأمور ، وهو إسرافيل . والباقُونَ مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول{[26694]} ، والقائم{[26695]} مقام الفاعل الجار والمجرور{[26696]} بعده . والعامة على إسكان الواو " في الصًّورِ " .
وقرأ الحسن وابن عامر{[26697]} بفتحها جمع صورة كغُرَف جمع غُرْفَة ، وقد تقدم القول في الصُّور في الأنعام{[26698]} ( وقرئ : " يَنْفُخَ ، وَيَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل{[26699]} ، وهو الله تعالى أو المَلَك ){[26700]} . وقرأ الحسن وحميد " يُنْفَخُ " كالجمهور{[26701]} ، " ويَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل{[26702]} ، والفاعل{[26703]} كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك . وروي عن الحسن أيضاً " ويُحْشَرُ " مبينَّا للمفعول " المُجْرِمُونَ " {[26704]} رفع به{[26705]} و " زُرْقاً " حال من المجرمين{[26706]} ، والمراد زرقةُ العُيون ، وجاءت الحال هنا بصفة تشبه اللازمة{[26707]} ، لأن أصلها على عدم اللزوم ، ولو قلتَ في الكلام : جاءَنِي زيدٌ أزرق العينين لم يجز{[26708]} إلا بتأويل{[26709]} .
قيل : الصور قرن ينفخ فيه بدعائه الناس للحشر . وقيل : إنه جمع{[26710]} صورة ، والنَّفخُ نفخ الرُّوح فيه ، ويدل عليه قراءة من قرأ " الصٌّوَر " بفتح الواو{[26711]} .
والأول أولى لقوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور }{[26712]} والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شُوهِدَ في الدنيا ، ومن عادة الناس النفخُ في البوق عند الأسفار وفي العساكر{[26713]} . والمراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لقوله بعد ذلك : { وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } فالنفخ في الصور كالسبب لحشرهم ، فهو كقوله : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }{[26714]} {[26715]} . والزرقة هي الحضرة في سواد العين ، فيُحْشَرُون زرق العيون سود الوجوه{[26716]} . فإن قيل : أليس أنَّ الله تعالى{[26717]} أخبر يُحْشَرُونَ عُمْياً{[26718]} فكيف يكون أعمى وأزرق{[26719]} ؟
فالجواب لعله يكون أعمى في حال : وأزرق في حال{[26720]} .
وقيل : " زُرْقاً " أي عُمْياً{[26721]} ، قال الزجاج : يخرجون زُرْقاً في أول الأمر ويُعْمَون في المحشر{[26722]} .
وسوادُ العين إذا ذهب تزرق{[26723]} . فإن قيل : كيف يكون أعمى ، وقد{[26724]} قال الله تعالى : { لِيَوْمٍ{[26725]} تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار }{[26726]} وشخوص البصر{[26727]} من الأعمى محال ، وأيضاً قد{[26728]} قال في حقهم : { اقرأ كَتَابَكَ }{[26729]} والأَعْمَى كيف يقرأ ؟
فالجواب أن أحوالهم قد تختلف{[26730]} . وقيل : المراد بقوله : { زُرْقاً } أي زرق العيون ، والعرب تتشاءَمُ بها . وقيل يجتمع مع الزرقة سواد{[26731]} الوجه .
قال أبو مسلم : المراد بالزرقة شخوص أبصارهم ، والأزرق شاخص فإنه لضعف بصره يكون محدِّقاً نحو الشيء ، وهذه حال{[26732]} الخائف المتوقع لما يكره ، وهي كقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار{[26733]} }{[26734]} .
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : " زُرْقاً " عِطَاشاً{[26735]} ، قال لأنهم من شدة العطش يتغير سوادُ أعينهم حتى تزرَقُّ لقوله{[26736]} تعالى : { وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً }{[26737]} {[26738]} وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي{[26739]} : " زُرْقاً " طامعين ( فيما لا يَنَالُونَه{[26740]} ){[26741]} .
قالت المعتزلة : لفظُ المجرمين يتناول الكفار والعُصاة فيدل على عدم العفو عن{[26742]} العصاة . وقال{[26743]} ابن عباس : يريدُ بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهاً آخر وتقدم هذا البحث{[26744]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.