فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا} (102)

{ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا{[2068]} . يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا . نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } .

يخوف الله تعالى عباده أهوال البعث والحشر ، وينذرهم حتى لا يقولوا ما جاءنا من نذير ؛ فحين يأمر الواحد القهار ملك الصور أن ينفخ في القرن الذي أوتي ينفخ الأولى فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ؛ ويساق الفجار إلى جهنم زمرا ، وقد علتهم الزرقة من هول ما يشهدون ، أو عميت عيونهم وقد كانوا من قبل يبصرون ؛ ثم يصغر عندهم ما متعوا به في حياتهم الدنيا حين يطلعون على العذاب المهين المعد لهم ، ويستقصرون الأمد الذي أترفوا فيه حتى كأنه لم يكن شيئا : { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة . . ){[2069]} فيتهامسون متحسرين ، يقول بعضهم لبعض سرا ما مكثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ والله عليم بما يسرونه ، وعليم سبحانه بكل الشؤون ؛ فيقول أعقلهم ما لبثتم في دنياكم إلا يوما ؛ وإذا سألهم المولى جل ذكره : { . . كم لبثتم في الأرض عدد سنين . قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين . قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ){[2070]} ؛ ولو كنتم تعلمون لآثرتم الباقي على الفاني ، ولكن تصرفتم فأسأتم التصرف {[2071]} .


[2068]:سئل ابن عباس عن الجمع بين {زرقا} ـ على ما روي عنه ـ و{عميا} في آية أخرى، فقال ليوم القيامة حالات، فحالة يكونون فيها عميا، وحالة يكونون فيها زرقا.
[2069]:سورة الروم. من الآية 55.
[2070]:سورة المؤمنون. من الآية 112، والآيتان:113، 114.
[2071]:ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم.