تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ، ويتوارى منهم ، من سوء ما بشر به . ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد ، فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها ، { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ } ، أي : يتركها من غير قتل على إهانة وذل ، { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } ، أي : يدفنها وهي حية ، وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين ، { أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله ، من نسبة الولد إليه .

ثم لم يكفهم هذا ، حتى نسبوا له أردأ القسمين ، وهو الإناث اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها ، فكيف ينسبونها لله تعالى ؟ ! فبئس الحكم حكمهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

ثم صور - سبحانه - حالتهم عندما يبشرون بولادة الأنثى ، وحكى عاداتهم الجاهلية المنكرة ، فقال - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يتوارى مِنَ القوم مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ . . } .

قال الآلوسى : " قوله { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى . . } ، أي : أخبر بولادتها . وأصل البشارة الإِخبار بما يسر . لكن لما كانت ولادة الأنثى تسوءهم ، حملت على مطلق الإِخبار . وجوز أن يكون ذلك بشارة ، باعتبار الولادة ، بقطع النظر عن كونها أنثى . . " .

وقوله : { كظيم } ، من الكظم ، بمعنى الحبس . يقال : كظم فلان غيظه ، إذا حبسه ، وهو ممتلئ به ، وفعله من باب ضر .

والمعنى : وإذا أخبر أحد هؤلاء الذين يجعلون لله البنات ، بولادة الأنثى دون الذكر ، صار وجهه مسودا كئيبا كأن عليه غبرة ، ترهقه قترة - أي تعلوه ظلمه وسواد - ، وصار جسده ممتلئا بالحزن المكتوم ، والغيظ المحبوس ، وأصبح يتوارى ، ويتخفى عن أعين الناس ، خجلا وحياء ، من أجل أن زوجته ولدت له أنثى ، ولم تلد له ذكرا .

وقوله - سبحانه - : { أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب } ، تصوير بليغ لموقف ذلك المشرك مما بشر به ، وهو ولادة الأنثى .

فالضمير المنصوب في قوله : " أيمسكه ، ويدسه " ، يعود على المبشر به ، وهو الأنثى .

والهون : بمعنى الهوان والذل .

ويدسه : من الدس ، بمعنى : الإِخفاء للشيء في غيره . والمراد به . دفن الأنثى حية في التراب حتى تموت ، وهو المشار إليه في قوله - تعالى - : { وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } أي : أن هذا المشرك بعد أن يبشر بولادة الأنثى ، يدور بذهنه أحد أمرين : إما أن يمسكها ويبقيها على هوان وذل ، وإما أن يدسها ويخفيها في التراب ، بأن يدفنها فيه وهي حية ، حتى تموت .

والجار والمجرور في قوله : { على هون } ، يصح أن يكون حالا من الفاعل ، وهو المشرك : أي : أيمسك المبشر به مع رضاه - أي المشرك - بهوان نفسه وذلتها بسبب هذا الإِمساك .

ويصح أن يكون حالا من المفعول ، وهو الضمير المنصوب . أي أيمسك هذه الأنثى ويبقيها بقاء ذلة وهوان لها ، بحيث لا يورثها شيئا من ماله ، ولا يعاملها معاملة حسنة .

ومن بلاغة القرآن أنه عبر بقوله ؛ { أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ } ، ليشمل حالة المشرك ، وحالة المبشر به وهو الأنثى .

وقوله - تعالى - : { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، ذم لهم على صنيعهم السيئ ، وعلى جهلهم الفاضح .

أي : بئس الحكم حكمهم ، وبئس الفعل فعلهم ، حيث نسبوا البنات إلى الله - تعالى - ، وظلموهن ظلما شنيعا ، حيث كرهوا وجودهن ، وأقدموا على قتلهن بدون ذنب أو ما يشبه الذنب .

وصدر - سبحانه - هذا الحكم العادل عليهم بحرف " ألا " الاستفتاحية : لتأكيد هذا الحكم ، ولتحقيق أن ما أقدموا عليه ، إنما هو جور عظيم ، قد تمالئوا عليه ، بسبب جهلهم الفاضح ، وتفكيرهم السيئ .

أسند - سبحانه - الحكم إلى جميعهم ، مع أن من فعل ذلك كان بعضا منهم ، لأن ترك هذا البعض يفعل ذلك الفعل القبيح ، هذا الترك هو في ذاته جريمة ، يستحق عليها جميع العقوبة ، لأن سكوتهم على هذا الفعل مع قدرتهم على منعه ، يعتبر رضا به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

51

والأنثى هبة الله له كالذكر ، وما يملك أن يصور في الرحم أنثى ولا ذكرا ، وما يملك أن ينفخ فيه حياة ، وما يملك أن يجعل من النطفة الساذجة إنسانا سويا . وإن مجرد تصور الحياة نامية متطورة من نطفة إلى بشر - بإذن الله - ليكفي لاستقبال المولود - أيا كان جنسه - بالفرح والترحيب وحسن الاستقبال ، لمعجزة الله التي تتكرر ، فلا يبلى جدتها التكرار ! فكيف يغتم من يبشر بالأنثى ويتواري من القوم من سوء ما بشر به وهو لم يخلق ولم يصور . إنما كان أداة القدرة في حدوث المعجزة الباهرة ؟ .

وحكمة الله ، وقاعدة الحياة ، اقتضت أن تنشأ الحياة من زوجين ذكر وأنثى . فالأنثى أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر ؛ بل ربما كانت أشد أصالة لأنها المستقر . فكيف يغتم من يبشر بالأنثى ، وكيف يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ونظام الحياة لا يقوم إلا على وجود الزوجين دائما ؟ .

إنه انحراف العقيدة ينشيء آثاره في انحراف المجتمع وتصوراته وتقاليده . . ( ألا ساء ما يحكمون ) وما أسوأه من حكم وتقدير .

وهكذا تبدو قيمة العقيدة الإسلامية في تصحيح التصورات والأوضاع الاجتماعية . وتتجلى النظرة الكريمة القويمة التي بثها في النفوس والمجتمعات تجاه المرأة ، بل تجاه الإنسان . فما كانت المرأة هي المغبونة وحدها في المجتمع الجاهلي الوثني إنما كانت " الإنسانية " في أخص معانيها . فالأنثى نفس إنسانية ، إهانتها إهانة للعنصر الإنساني الكريم ، ووأدها قتل للنفس البشرية ، وإهدار لشطر الحياة ؛ ومصادمة لحكمة الخلق الأصيلة ، التي اقتضت أن يكون الأحياء جميعا - لا الإنسان وحده - من ذكر وأنثى .

وكلما انحرفت المجتمعات عن العقيدة الصحيحة عادت تصورات الجاهلية تطل بقرونها . . وفي كثير من المجتمعات اليوم تعود تلك التصورات إلى الظهور . فالأنثى لا يرحب بمولدها كثير من الأوساط وكثير من الناس ، ولا تعامل معاملة الذكر من العناية والاحترام . وهذه وثنية جاهلية في إحدى صورها ، نشأت من الانحراف الذي أصاب العقيدة الإسلامية .

ومن عجب أن ينعق الناعقون بلمز العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية - في مسألة المرأة - ، نتيجة لما يرونه في هذه المجتمعات المنحرفة ولا يكلف هؤلاء الناعقون اللامزون أنفسهم وأن يراجعوا نظرة الإسلام ، وما أحدثته من ثورة في التطورات والأوضاع . وفي المشاعر والضمائر . وهي بعد نظرة علوية لم تنشئها ضرورة واقعية ولا دعوة أرضية ولا مقتضيات اجتماعية أو اقتصادية . إنما أنشأتها العقيدة الإلهية الصادرة عن الله الذي كرم الإنسان ، فاستتبع تكريمه للجنس البشري تكريمه للأنثى ، ووصفها بأنها شطر النفس البشرية ، فلا تفاضل بين الشطرين الكريمين على الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (59)

يقول تعالى ذكره : يتوارى هذا المبشّر بولادة الأنثى من الولد له من القوم ، فيغيب عن أبصارهم مِنْ سُوءِ ما بُشّرَ بِهِ ، يعني : من مساءته إياه ، مميلاً بين أن يمسكه على هُون : أي على هوان ، وكذلك ذلك لغة قريش فيما ذكر لي ، يقولون للهوان : الهُون ومنه قول الحطيئة :

فلّما خَشِيتُ الهُونَ والعَيْرُ مُمْسِكٌ *** على رَغْمِهِ ما أثبتَ الحبلَ حافِرُهْ

وبعض بني تميم جعل الهُونَ مصدرا للشيء الهين . ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون : إن كنت لقليل هون المؤنة منذ اليوم قال : وسمعت : الهوان في مثل هذا المعنى ، سمعت منهم قائلاً يقول لبعير له : ما به بأس غير هوانه ، يعني خفيف الثمن ، فإذا قالوا : هو يمشي على هَوْنه ، لم يقولوه إلا بفتح الهاء ، كما قال تعالى : وَعبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ على الأرْضِ هَوْنا . أمْ يَدسّهُ فِي التّرَابِ يقول : يدفنه حيّا في التراب فيئده . كما : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : أيُمْسكُهُ على هُونٍ أمْ يَدُسّهُ في التّرَابِ يئد ابنته .

وقوله : " ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ " يقول : ألا ساء الحكم الذي يحكم هؤلاء المشركون ، وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم ، وجعلوا لما لا ينفعهم ولا يضرّهم شركا فيما رزقهم الله ، وعبدوا من خلقهم وأنعم عليهم .