تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

{ قَالُوا } له : { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } أي : أخبروه بحالهم ليطمئن قلبه ، { لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } بسوء .

ثم قال جبريل بجناحه ، فطمس أعينهم ، فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح ، وأمر الملائكة لوطا ، أن يسري بأهله { بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ } أي : بجانب منه قبل الفجر بكثير ، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم .

{ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي : بادروا بالخروج ، وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم .

{ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا } من العذاب { مَا أَصَابَهُمُ } لأنها تشارك قومها في الإثم ، فتدلهم على أضياف لوط ، إذا نزل به أضياف .

{ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ } فكأن لوطا ، استعجل ذلك ، فقيل له : { أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

وهنا - وبعد أن بلغ الضيق بلوط ما بلغ - كشف له الملائكة عن حقيقتهم ، وبشروه بما يدخل الطمأنينة على قلبه { قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ } أى : إنا رسل ربك أرسلنا إليك لنخبرك بهلاكهم ، فاطمئن فإنهم لن يصلوا إليك بسوء فى نفسك أو فينا .

روى أن الملائكة لما رأو ما لقيه لوط - عليه السلام - من الهم والكرب بسببهم قالوا له : يا لوط إن ركنك لشديد . . . ثم ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم ، فارتدوا على أدبارهم يقولون النجاء ، وإليه الإِشارة بقوله - تعالى - فى سورة القمر : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } وقوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل } أى : فاخرج من هذه القرية مصحوباً بالمؤمنين من أهلك فى جزء من الليل يكفى لابتعادك عن هؤلاء المجرمين .

قال القرطبى : قرئ " فاسر وفأسر بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان . قال - تعالى - { والليل إِذَا يَسْرِ } وقال

{ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ . . . } وقيل " فأسر " بالقطع تقال لمن سار من أول الليل . . . وسرى لمن سار فى آخره ، ولا يقال فى النهار إلا سار . . .

وقوله : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ . . . ْ معطوف على ما قبله وهو قوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ . . . } .

أى : فأسر بأهلك فى جزء من الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلى ما وراءه ، اتقاء لرؤية العذاب ، { إِلاَّ امرأتك } يا لوط فاتركها ولا تأخذها معك لأنها كافرة خائنة ، ولأنها سيصيبها العذاب الذى سينزل بهؤلاء المجرمين . فيهلكها معهم .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : قوله { إِلاَّ امرأتك } بالرفع ، وقرأ الباقون بالنصب .

قال الواحدى : من نصب فقد جعلها مستثناة من الأهل ، على معنى : فأسر بأهلك إلا امرأتك أى فلا تأخذها معك . . .

وأما الذين رفعوا فالتقدير ؛ ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم .

روى عن قتادة أنه قال : إنها كنت مع لوط حين خرج من القرية ، " فلما سمعت العذاب التفتت وقالت واقوماه فأصابها حجر فأهلكها " .

وقوله - سبحانه - { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ } بشارة أخرى للوط - عليه السلام - الذى تمنى النصرة على قومه .

أى : إن موعد هلاك هؤلاء المجرمين يبتدئ من طولع الفجر وينتهى مع طلوع الشمس ، أليس الصبح بقريب من هذا الوقت الذى نحدثك فيه ؟

قال - تعالى - فى سورة الحجر : { فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ } أى : وهم داخلون فى وقت الشروق . فكان ابتداء العذاب عند طلوع الصبح وانتهاؤه وقت الشروق .

والجملة الكريمة { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح . . . } كالتعليل للأمر بالإِسراء بأهله بسرعة ، أو جواب عما جاش بصدره من استعجالة العذاب لهؤلاء المجرمين .

والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ } للتقرير أى : بلى إنه لقريب .

قال الآلوسى : روى أنه - عليه السلام - سأل الملائكة عن موعد هلاك قومه فقالوا له ؛ موعدهم الصبح . فقال : أريد أسرع من ذلك . فقالوا له ؛ أليس الصبح بقريب . ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع ، ولأنه أنسب يكون ذلك عبرة للناظرين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَلُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُوَاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الْلّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاّ امْرَأَتَكَ إِنّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيبٍ } .

يقول تعالى ذكره : قالت الملائكة للوط لما قال لوط لقومه لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ورأوا ما لَقِي من الكرب بسببهم منهم : يا لُوطُ إنّا رُسُلْ رَبّكَ أرسلنا لإهلاكهم ، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه ، فهوّن عليك الأمر ، فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ يقول : فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل ، يقال منه : أسرى وسَرَى ، وذلك إذا سار بليل . وَلا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ .

واختلفت القراءة في قراءة قوله : فأسْرِ فقرأ ذلك عامة قرّاء المكيين والمدنيين : «فاسْرِ » وصل بغير همز الألف من «سَرى » . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة : فَأَسْرِ بهمز الألف من «أسرى » والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل قُدْوة في القراءة ، وهما لغتان مشهورتان في العرب معناهما واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك .

وأما قوله : إلاّ امْرأتَكَ فإن عامة القرّاء من الحجاز والكوفة ، وبعض أهل البصرة ، قرءوا بالنصب إلاّ امْرأتَكَ بتأويل : فأسر بأهلك إلا امرأتك ، وعلى أن لوطا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته ، فإنه نُهِي أن يُسْري بها ، وأمر بتخليفها مع قومها . وقرأ ذلك بعض البصريين : «إلاّ امْرأتُكَ » رفعا ، بمعنى : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتُك ، فإن لوطا قد أخرجها معه ، وإنه نُهِي لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفتَ سوى زوجته ، وإنها التفتت فهلكت لذلك .

وقوله : إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ يقول : إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب . إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ يقول : إن موعد قومك الهلاك الصبح . فاستبطأ ذلك منهم لوط ، وقال لهم : بلى عجلوا لهم الهلاك فقالوا : ألَيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيبٍ : أي عند الصبح نزول العذاب بهم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ألَيْسَ الصّبْحُ بقَريبٍ : أي إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه ، فامض لما تؤمر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : فمضت الرسل من عند إبراهيم إلى لوط ، فلما أتوا لوطا ، وكان من أمرهم ما ذكر الله ، قال جبرئيل للوط : يا لُوطُ إنّا مُهْلِكُوا أهْل هَذِهِ القَرْيَةِ إنّ أهْلَها كَانُوا ظَالِمِينَ فقال لهم لوط : أهلكوهم الساعة فقال له جبرئيل عليه السلام : إن مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأنزلت على لوط : ألَيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ قال : فأمره أن يَسْري بأهله بِقطْع من الليل ، ولا يلتفت منهم أحد إلا امرأته . قال : فسار ، فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها أدخل جبرئيل جناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الدّيَكة ونُباح الكلاب ، فجعل عاليها سافلها ، وأمطر عليها حجارة منِ سجّيل ، قال : وسمعت امرأة لوط الهَدّة ، فقالت : واقوماه فأدركها حجر فقتلها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : كان لوط أخذ على امرأته أن لا تذيع شيئا من سرّ أضيافه ، قال : فلما دخل عليه جبرئيل ومن معه ، رأتهم في صورة لم تر مثلها قطا فانطلقت تسعى إلى قومها ، فأتت النادي فقالت بيدها هكذا ، وأقبلوا يُهْرَعون مشيا بين الهرولة والجمز . فلما انتهوا إلى لوط قال لهم لوط ما قال الله في كتابه ، قال جبرئيل : يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ قال : فقال بيده ، فطمس أعينهم ، فجعلوا يطلبونهم ، يلمُسون الحيطان وهم لا يبصرون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن حذيفة ، قال : لما بصرت بهم يعني بالرسل عجوز السّوء امرأته انطلقت فأنذرتهم فقالت : إنه تَضَيّفَ لوطا قوم ما رأيت قوما أحسن وجوها قال : ولا أعلمه إلا قالت : ولا أشدّ بياضا وأطيب ريحا . قال : فأتوه يهرعون إليه ، كما قال الله ، فأصفق لوط الباب ، قال : فجعلوا يعالجونه ، قال : فاستأذن جبرئيل ربه في عقوبتهم ، فأذن له ، فصفقهم بجناحه ، فتركهم عميانا يتردّدون في أخبث ليلة ما أتت عليهم قطّ ، فأخبروه إنّا رسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ قال : ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته ، ثم سمعت الصوت ، فالتفتت وأرسل الله عليها حجرا فأهلكها . وقوله : إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأراد نبيّ الله ما هو أعجل من ذلك ، فقالوا أليس الصبح بقريب ؟

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : انطلقت امرأته يعني امرأة لوط حين رأتهم ، يعني حين رأت الرسل إلى قومها ، فقالت : إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلهم قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا فجاءوا يُهْرَعون إليه ، فبادرهم لوط إلى أن يزجهم على الباب ، فقال : هَؤُلاءِ بَناتي إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فقالوا : أو لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَمِينَ . فدخلوا على الملائكة ، فتناولتهم الملائكة وطمست أعينهم ، فقالوا : يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا كما أنت حتى تصبح قال : واحتمل جبرئيل قُرَيات لوط الأربع ، في كل قرية مئة ألف ، فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض ، حتى سمع أهل السماء الدنيا أصوات دِيَكتهم ، ثم قلبهم ، فجعل الله عاليها سافلها .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال حذيفة : لما دخلوا عليه ، ذهبت عجوزه عجوز السوّء ، فأتت قومها ، فقالت : لقد تضيفّ لوطا الليلة قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن وجوها منهم قال : فجاءوا يسرعون ، فعاجلهم لوط ، فقام ملك فلزّ الباب يقول : فسدّه واستأذن جبرئيل في عقوبتهم ، فأذن له ، فضربهم جبرئيل بجناحه ، فتركهم عميانا ، فباتوا بشرّ ليلة ، ثم قالُوا إنّا رُسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ قال : فبلغنا أنها سمعت صوتا ، فالتفتت فأصابها حجر ، وهي شاذّة من القوم ، معلوم مكانها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن حذيفة بنحوه ، إلا أنه قال : فعاجلهم لوط .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما قال لوط : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ بسط حينئذ جبريل عليه جناحيه ، ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم في أدبار بعض عميانا يقولون : النجاء النجاء فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض فذلك قوله : وَلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهَمْ . وقالوا للوط : إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ فأَسْرِ بأهْلِكَ بِقطْعٍ مِنَ اللّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها واتبع أدبار أهلك يقول : سر بهم ، وَامْضوا حَيْثُ تؤْمَرُونَ فأخرجهم الله إلى الشأم ، وقال لوط : أهلكوهم الساعة فقالوا : إنا لم نؤمر إلا بالصبح ، أليس الصبح بقريب ؟ فلما أن كان السّحَر خرج لوط وأهله معه امرأته ، فذلك قوله : إلاّ آلَ لُوطٍ نَجّيْناهُمْ بِسَحَرٍ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول : كان أهل سَدُوم الذين فيهم لوط قوما قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله ذلك بعث الملائكة ليعذّبوهم ، فأتوا إبراهيم ، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله في كتابه . فلما بشّروا سارَة بالولد ، قاموا وقام معهم إبراهيم يمشي ، قال : أخبروني لم بُعِثتم وما خَطْبكم ؟ قالوا : إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمّرها ، وإنهم قوم سوء قد استغنوا بالرجال عن النساء . قال إبراهيم : إن كان فيهم خمسون رجلاً صالحا ؟ قالوا : إذن لا نعذبهم . فجعل ينقص حتى قال أهل البيت ، قال : فإن كان فيها بيت صالح ؟ قال : فلوط وأهل بيته . قالوا : إن امرأته هواها معهم . فلما يئس إبراهيم انصرف ومضوا إلى أهل سَدُوم ، فدخلوا على لوط فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم ، فأرسلت إلى أهل القرية إنه قد نزل بنا قوم لم يُرَ قوم قط أحسن منهم ولا أجمل فتسامعوا بذلك ، فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران . فلقيهم لوط ، فقال : يا قوم لا تفضحوني في ضيفي ، وأنا أزوّجكم بناتي فهن أطهر لكم فقالوا : لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانهنّ ، فقال : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ . فوجد عليه الرسل ، قالوا : إن ركنك لشديد ، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه ، فطمس أبصارهم ، فقالوا : سحرنا ، انصرفوا بنا حتى نرجع إليه فكان من أمرهم ما قد قصّ الله تعالى في كتابه . فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الأرض ، فقلبها ، ونزلت حجارة من السماء ، فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا ، فأهلكهم الله ، ونجى لوطا وأهله ، إلا امرأته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، وعن أبي بكر بن عبد الله وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن حذيفة ، دخل حديث بعضهم في بعض ، قال : كان إبراهيم عليه السلام يأتيهم فيقول : ويْحَكم أنهاكم عن الله أن تَعَرضوّا لعقوبته ، حتى إذا بلغ الكتاب أجله لمحلّ عذابهم وسطوات الربّ بهم . قال : فانتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ، فدعاهم إلى الضيافة ، فقالوا : إنا مضيفوك الليلة . وكان الله تعالى عهد إلى جبريل عليه السلام أن لا تعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة ، ذكر ما يعمل قومه من الشرّ والدواهي العظام ، فمشي معهم ساعة ، ثم التفت إليهم ، فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض شرّا منهم ، أين أذهب بكم إلى قومي وهم شرّ خلق الله فالتفت جبرئيل إلى الملائكة فقال : احفظوا هذه واحدة ثم مشى ساعة فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم ، قال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ وما أعلم على وجه الأرض شرّا منهم ، إن قومي شرّ خلق الله فالتفت جبرئيل إلى الملائكة ، فقال : احفظوا هاتان ثنتان فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم وقال : إن قومي شرّ خلق الله ، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرّا منهم فقال جبريل للملائكة : احفظوا هذه ثلاث قد حَقّ العذاب . فلما دخلوا ذهبت عجوزه ، عجوز السوء ، فصعدت فلوّحت بثوبها ، فأتاها الفسّاق يهرعون سراعا ، قالوا : ما عندك ؟ قالت : ضيّف لوط الليلة قوما ما رأيت أحسن وجوها منهم ولا أطيب ريحا منهم فهرعوا مسارعين إلى الباب ، فعاجلهم لوط على الباب ، فدافعوه طويلاً ، هو داخل وهم خارج ، يناشدهم الله ويقول : هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنّ أطْهَرَ لَكُمْ فقام المَلك فلزّ الباب يقول : فسدّه واستأذن جبرئيل في عقوبتهم ، فأذن الله له ، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ، فنشر جناحه ، ولجبرئيل جناحان ، وعليه وشاح من درّ منظوم ، وهو برّاق الثنايا أجلي الجبين ، ورأسه حُبُك حُبُك ، مثل المرجان وهو اللؤلؤ ، كأنه الثلج ، وقدماه إلى الخضرة ، فقال : يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إليكَ امض يا لوط من الباب ودعني وإياهم فتنحّى لوط عن الباب ، فخرج عليهم فنشر جناحه ، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم فصاروا عميا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم . ثم أمر لوطا فاحتمل بأهله من ليلته ، قال : فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما قال لوط لقومه : لَوْ أنّ لي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ والرسل تسمع ما يقول وما يقال له ويرون ما هو فيه من كرب ذلك ، فلما رأوا ما بلغه قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ أي بشيء تكرهه ، فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ إنّ مَوْعِدَهُمُ الصبْحُ ألَيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه ، فامض لما تؤمر .

قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القُرَظي أنه حدّث . أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا في وجوه الذين جاءوا لوطا من قومه يراودونه عن ضيفه ، فرجعوا عميانا . قال : يقول الله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ قال : بطائفة من الليل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ بطائفة من الليل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ قال : جوف الليل .

وقوله : واتّبِعْ أدْبارَهُمْ يقول : واتبع أدبار أهلك ، ولا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ قال : لا ينظر وراءه أحد ، إلاّ امْرأتَكَ .

ورُوى عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ : «فَأَسْرِ بأهْلكَ بقطْعٍ مِنَ اللّيْلِ إلاّ امْرأتَكَ » .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال في حرف ابن مسعود : «فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ إلاّ امْرأتَكَ » .

وهذا يدلّ على صحة القراءة بالنصب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب { قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا وإياهم ، فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم ، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة . { فأسْرِ بأهلك } بالقطع من الإسراء ، وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السري . { بقطع من الليل } بطائفة منه . { ولا يلتفت منكم أحد } ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه والنهي في اللفظ أحد وفي المعنى للوط . { إلا امرأتك } استثناء من قوله : { فأسر بأهلك } ويدل عليه أنه قرئ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك ، وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد ، ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في أنه خلفها مع قومها أو أخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها ، لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة ، والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله : { ولا يلتفت } مثله في قوله تعالى : { ما فعلوه إلا قليل } ولا يبعد أن يكون أكثر القراء على غير الأفصح ، ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله : { إنه مُصيبها ما أصابهم } ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرفع . { إن موعدهم الصبح } كأنه علة الأمر بالإسراء . { أليس الصّبح بقريب } جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

الضمير في { قالوا } ضمير الملائكة ، ويروى أن لوطاً لما غلبوه وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قالت له الرسل : تنح عن الباب : فتنحى وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السلام بجناحه فطمس أعينهم وعموا ، وانصرفوا على أعقابهم يقولون : النجاء النجاء ، فعند لوط قوم سحرة ، وتوعدوا لوطاً ، ففزع حينئذ من وعيدهم ، فحينئذ قالوا له : { إنا رسل ربك } فأمن ، ذكر هذا النقاش ؛ وفي تفسير غيره ما يقتضي أن قولهم : { إنا رسل ربك } كان قبل طمس العيون ، ثم أمروه بالسرى وأعلموه أن العذاب نازل بالقوم ، فقال لهم لوط : فعذبوهم الساعة ، قالوا له : { إن موعدهم الصبح } أي بهذا أمر الله ، ثم أنسوه في قلقه بقولهم : { أليس الصبح بقريب } .

وقرأ نافع وابن كثير «فأسر » من سرى إذا سار في أثناء الليل ، وقرأ الباقون «فاسرِ » إذا سار في أول الليل و «القطع » القطعة من الليل ، ويحتمل أن لوطاً أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع ، ووقعت نجاته بسحر فتجتمع هذه الآية مع قوله : { إلا آل لوط نجيناهم بسحر }{[6451]} وبيت النابغة جمع بين الفعلين في قوله : [ البسيط ]

أسرت عليه من الجوزاء سارية*** تزجي الشمال عليه جامد البرد{[6452]}

فذهب قوم إلى أن سرى وأسرى بمعنى واحد واحتجوا بهذا البيت .

قال القاضي أبو محمد : وأقول إن البيت يحتمل المعنيين ، وذلك أظهر عندي لأنه قصد وصف هذه الديمة ، وأنها ابتدأت من أول الليل وقت طلوع الجوزاء في الشتاء .

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «إلا امرأتُك » بالرفع على البدل من { أحد } وهذا هو الأوجه إذا استثني من منفي ، كقولك : ما جاءني أحد إلا زيد ، وهذا هو استثناء الملتفتين ، وقرأ الباقون «إلا أمرأتَك » بالنصب ، ورأت ذلك فرقة من النحاة الوجه في الاستثناء من منفي ، إذ الكلام المنفي في هذا مستقل بنفسه كالموجب ، فإذ هو مثله في الاستقلال ، فحكمه كحكمه في نصب المستثنى ؛ وتأولت فرقة ممن قرأ : «إلا امرأتَك » بالنصب أن الاستثناء وقع من الأهل كأنه قال : «فأسر بأهلك إلا امرأتَك » . وعلى هذا التأويل لا يكون إلا النصب ، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : لو كان الكلام : «ولا يلتفتُ » - بالرفع - لصح الرفع في قوله : «إلا أمرأتُك » ولكنه نهي ، فإذا استثنيت «المرأة » من { أحد } وجب أن تكون «المرأة » أبيح لها الالتفات فيفسد معنى الآية .

قال القاضي أبو محمد : وهذا الاعتراض حسن ، يلزم الاستثناء من { أحد } رفعت التاء أو نصبت والانفصال عنه يترتب بكلام حكي عن المبرد ، وهو أن النهي إنما قصد به لوط وحده ، و «الالتفات » منفي عنهم بالمعنى ، أي لا تدع أحداً منهم يلتفت ، وهذا كما تقول لرجل : لا يقم من هؤلاء أحد إلا زيد ، وأولئك لم يسمعوك ، فالمعنى : لا تدع أحداً من هؤلاء يقوم والقيام بالمعنى منفي عن المشار إليهم .

قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا أن لفظ الآية هو لفظ قولنا : لا يقم أحد إلا زيد ، ونحن نحتاج أن يكون معناها معنى قولنا : لا يقم أحد إلا زيد وذلك اللفظ لا يرجع إلى هذا المعنى إلا بتقدير ما حكيناه عن المبرد ، فتدبره . ويظهر من مذهب أبي عبيد أن الاستثناء ، إنما هو من الأهل{[6453]} . وفي مصحف ابن مسعود : «فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك » وسقط قوله : { ولا يلتفت منكم أحد }{[6454]} . والظاهر في { يلتفت } أنها من التفات البصر ، وقالت فرقة : هي من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه ، فمعناه : ولا يتثبط . وهذا شاذ مع صحته وفي كتاب الزهراوي : أن المعنى : ولا يلتفت أحد إلى ما خلف ، بل يخرج مسرعاً مع لوط عليه السلام : وروي أن امرأة لوط لما سمعت الهدة ردت بصرها وقالت : واقوماه ، فأصابها حجر فقتلها .

وقرأت فرقة : «الصبُح » بضم الباء .


[6451]:- من الآية (34) من سورة (القمر).
[6452]:- البيت من قصيدة النابغة المشهورة التي يقول في مطلعها: يا دار ميّة بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأبد ورواية الديوان: (سرت)، والجوزاء: منزلة من منازل الشمس الربيعية، وهي من الأنواء إذا نشأ السحاب من جهتها كان شديد المطر. والساريّة: السحابة تسير بالليل، وتُزجي: تسوق وتدفع. والبرد: الماء المتجمد في قطع صغيرة تنزل من السحاب، ويسمى حب الغمام وحب المزن.
[6453]:- قيل: إذا جعلنا الاستثناء من الأهل كان فيه إشكال من جهة المعنى، إذ يلزم ألا يكون أسري بها، ولما التفتت دلّ ذلك على أنها قد سرت معهم قطعا، وأجيب بانها لم يسر بها ولكنها تبعتهم ثم التفتت فأصابها الهلاك.
[6454]:- قال بعض العلماء: الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها، فالمعنى: "لكن أمرتك يجري لها كذا وكذا"، ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في (الحجر) وليس فيها استثناء ألبتة، قال تعالى: {فأسر بأهلك بقطع من الليل واتّبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون} (الآية 65) من سورة (الحجر)- فلم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى، فجاء شرح حال امرأة لوط في سورة (هود) تبعا لا مقصودا مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى عُلم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع، ففيه النصب والرفع، فالنّصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القراء. اهـ. ولكن أبا حيان لم يقبل هذا الكلام، وردّ عليه بأنه لا تحقيق فيه، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات وجُعل استثناء منقطعا كان من الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع العرب، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع الذي يمكن توجّه العامل عليه، وفي كلا النوعين من الاستثناء المنقطع يكون ما بعد (إلا) من غير الجنس المستثنى منه، وكونه هنا جاز فيه اللغتان دليل على أنه مما يمكن أن يتوجه عليه العامل، وهو قد فرض أنه لم يُقصد بالاستثناء إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات، فكان يجب فيه النصب إذ ذاك قولا واحدا".اهـ
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

هذا كلام الملائكة للوط عليه السّلام كاشفوه بأنّهم ملائكة مرسلون من الله تعالى . وإذ قد كانوا في صورة البشر وكانوا حاضري المجادلة حكى كلامهم بمثل ما تحكى به المحاورات فجاء قولهم بدون حرف العطف على نحو ما حكي قول : لوط عليه السّلام وقول قومه . وهذا الكلام الذي كلّموا به لوطاً عليه السّلام وحي أوحاه الله إلى لوط عليه السّلام بواسطة الملائكة ، فإنه لمّا بلغ بِلُوط توقعُ أذى ضيفه مبلغَ الجزع ونفاد الحيلة جاءه نصر الله على سنّة الله تعالى مع رسله { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا } [ يوسف : 110 ] .

وابتدأ الملائكة خطابهم لوطاً عليه السّلام بالتعريف بأنفسهم لتعجيل الطمأنينة إلى نفسه لأنّه إذا علم أنهم ملائكة علم أنهم ما نزلوا إلاّ لإظهار الحق . قال تعالى : { ما تنزّل الملائكةُ إلاّ بالحق وما كانوا إذاً منْظرين } [ الحجر : 8 ] . ثم ألحقوا هذا التعريف بالبشارة بقولهم : { لن يصلوا إليك } . وجيء بحرف تأكيد النفي للدّلالة على أنهم خاطبوه بما يزيل الشك من نفسه . وقد صرف الله الكفّار عن لوط عليه السّلام فرجعوا من حيث أتوا ، ولو أزال عن الملائكة التشكّل بالأجساد البشرية فأخفاهم عن عيون الكفّار لحسبوا أنّ لوطاً عليه السّلام أخفاهم فكانوا يؤذون لوطاً عليه السّلام . ولذلك قال له الملائكة { لن يصلوا إليك } ولم يقولوا لن ينالوا ، لأنّ ذلك معلوم فإنهم لمّا أعلموا لوطاً عليه السّلام بأنهم ملائكة ما كان يشك في أن الكفّار لا ينالونهم ، ولكنّه يخشى سورتهم أن يتّهموه بأنه أخفاهم .

ووقع في التوراة أن الله أعمى أبصار المراودين لوطاً عليه السّلام عن ضيفه حتى قالوا : إنّ ضيف لوط سَحرة فانصرفوا . وذلك ظاهر قوله تعالى : في سورة [ القمر : 37 ] { ولقد رَاودوه عن ضيفه فطمسْنا أعينهم . } وجملة لن يصلوا إليك } مبيّنة لإجمال جملة { إنّا رسُل ربّك } ، فلذلك فصلت فلم تعطف لأنها بمنزلة عطف البيان .

وتفريع الأمر بالسُرى على جملة { لن يصلوا إليك } لما في حرف { لَن } من ضمان سلامته في المستقبل كلّه . فلمّا رأى ابتداء سلامته منهم بانصرافهم حسن أن يبين له وجه سلامته في المستقبل منهم باستئصالهم وبنجاته ، فذلك موقع فاء التفريع .

و ( أسْر ) أمر بالسُرى بضم السين والقصر . وهو اسم مصدر للسير في الليل إلى الصباح . وفعله : سَرى يقال بدون همزة في أوّله ويقال : أسرى بالهمزة .

قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو جعفر بهمزة وصل على أنه أمر من سَرى . وقرأه الباقون بهمزة قطع على أنه من أسرى .

وقد جمعوه في الأمر مع أهله لأنه إذا سرى بهم فقد سرى بنفسه إذ لو بعث أهله وبقي هو لَمَا صحّ أن يقال : أسْر بهم للفرق بين أذهبت زيداً وبين ذهبت به .

والقِطْع بكسر القاف : الجزء من الليل .

وجملة { ولا يلتفت منكم أحد } معترضة بين المستثنى والمستثنى منه . والالتفات المنهي عنه هو الالتفات إلى المكان المأمور بمغادرته كَمَا دَلّت عليه القرينة .

وسبب النهي عن الالتفات التقصي في تحقيق معنى الهجرة غضباً لحرمات الله بحيث يقطع التعلق بالوطن ولو تعلّق الرؤية . وكان تعيين الليل للخروج كَيْلاَ يُلاَقِي ممانعة من قومه أو من زوجه فيشقُّ عليه دفاعهم .

و { إلاّ امرأتَك } استثناء من { أهلك } ، وهو منصوب في قراءة الجمهور اعتباراً بأنه مستثنى من { أهلك } وذلك كلام موجب ، والمعنى : لا تسْر بها ، أريد أن لا يعلمها بخروجه لأنها كانت مخلصة لقومها فتخبرهم عن زوجها . وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو برفع { امرأتك } على أنه استثناء من { أحد } الواقع في سياق النهي ، وهو في معنى النفي . قيل : إنّ امرأته خرجت معهم ثم التفتت إلى المدينة فحنّت إلى قومها فرجعت إليهم . والمعنى أنه نهاهم عن الالتفات فامتثلوا ولم تمتثل امرأتُه للنهي فالتفتت ، وعلى هذا الوجه فالاستثناء من كلام مقدّر دلّ عليه النهي . والتقدير : فلا يلتفتون إلاّ امرأتك تلتفتُ .

وجملة { إنّه مصيبها ما أصابهم } استئناف بياني ناشىء عن الاستثناء من الكلام المقدّر .

وفي قوله : { ما أصابهم } استعمال فعل المضي في معنى الحال ، ومقتضى الظاهر أن يقال : ما يصيبهم ، فاستعمال فعل المضي لتقريب زمن الماضي من الحال نحو قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } [ المائدة : 6 ] الآية ، أو في معنى الاستقبال تنبيهاً على تحقق وقوعه نحو قوله تعالى : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] .

وجملة { إنّ موعدهم الصبح } مستأنفة ابتدائية قُطعت عن التي قبلها اهتماماً وتهويلاً .

والموعد : وقت الوعد . والوعد أعمّ من الوعيد فيطلق على تعيين الشرّ في المستقبل . والمراد بالموعد هنا موعد العذاب الذي علمه لوط عليه السّلام إما بوحي سابق ، وإما بقرينة الحال ، وإما بإخبار من الملائكة في ذلك المقام طَوته الآية هنا إيجازاً ، وبهذه الاعتبارات صحّ تعريف الوعد بالإضافة إلى ضميرهم .

وجملة { أليس الصبح بقريب } استئناف بيانيّ صدر من الملائكة جواباً عن سؤال بجيش في نفسه من استبطاء نزول العذاب .

والاستفهام تقريريّ ، ولذلك يقع في مثله التقرير على النفي إرخاء للعنان مع المخاطب المقرّر ليعرف خطأه . وإنّما قالوا ذلك في أوّل الليل .