النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

قوله عز وجل : { قالوا يا لوط إنا رُسُل ربِّك لن يصلوا إليك } وفي اسمه وجهان :

أحدهما : أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين . الثاني : أنه اسم عربي مأخوذ من قولهم : لطتُ الحوض إذا ملسته بالطين . وقيل إن لوطاً كان قائماً على بابه يمنع قومه من أضيافه ، فلما أعلموه أنهم رسل ربه مكّن قومه من الدخول فطمس{[1383]} جبريل عليه السلام على أعينهم فعميت ، وعلى أيديهم فجفت .

{ فأسْرِ بأهلك } أي فسِرْ بأهلك ليلاً ، والسُري سير الليل ، قال عبد الله بن رواحة :

عند الصباح يحمد القوم السُرَى *** وتنجلي عنهم غيابات الكرى

يقال وأسرى وفيها وجهان :

أحدهما : أن معناهما في سير الليل واحد .

الثاني : أن معناهما مختلف ، فأسرى إذا سار من أول الليل ، وسرى إذا سار في آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار ، قال لبيد :

إذا المرءُ أسرى ليلة ظن أنه *** قضى عملاً ، والمرءُ ما عاش عامِلُ

{ بقطعٍ من الليل } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : معناه سواد الليل ، قاله قتادة .

الثاني : أنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين ، ومنه قول الشاعر{[1384]} :

ونائحةٍ تنوح بقطع ليل *** على رجلٍ بقارعة الصّعيد

الثالث : أنه الفجر الأول ، قاله حميد بن زياد . الرابع : أنه قطعة من الليل ، قاله ابن عباس . { ولا يلتفت منك أحد } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : لا ينظر وراءه منكم أحد ، قاله مجاهد . الثاني : يعني لا يتخلف منك أحد ، قاله ابن عباس :

الثالث : يعني لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو امتناع ، حكاه علي بن عيسى .

{ إلا امرأتك إنّه مُصيبها ما أصابهم } فيه وجهان :

أحدهما : أن قوله : { إلا امرأتك } استثناء من قوله : { فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك } وهذا قول من قرأ : { إلا امرأتك } بالنصب .

الثاني : أنه استثناء من قوله : { ولا يلتفت منك أحد إلا امرأتك } وهو على معنى البدل إذا قرئ بالرفع .

{ إنه مصيبها ما أصابهم } فذكر قتادة أنها خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت ، فأرسل الله عليهم حجراً فأهلكها . { إنّ موعدهم الصبح أليْسَ الصُّبحُ بقريبٍ } فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لوطاً لما علم أنهم رسل ربه قال : فالآن إذن فقال له جبريل عليه السلام : { إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب " ويجوز أن يكون قد جعل الصبح ميقاتاً لهلاكهم لأن النفوس فيه أودع والناس فيه أجمع .


[1383]:يؤيد ذلك قوله تعالى: "ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم" آية 37 القمر.
[1384]:هو مالك بن كنانة.