تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان ، وتوسلهم به إلى تمام النعمة ، سألوه الثواب على ذلك ، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر ، والظهور في الدنيا ، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة ، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد ، فأجاب الله دعاءهم ، وقبل تضرعهم ، فلهذا قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

ثم حكى القرآن أنهم ترقوا فانتقلوا من طلب الغفران إلى طلب الثواب الجزيل ، والعطاء الحسن فقال - تعالى - حكاية عنهم { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد } .

أي نسألك يا ربنا أن تعطينا وتمنحنا بعد وفاتنا ، وحين قيامنا من قبورنا يوم القيامة ، ما وعدتنا به من ثواب فى مقابل تصديقنا لرسلك ، وطاعتنا لهم ، واستجابتنا لأوامرهم ونواهيهم { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة } أى ولا تذلنا ولا تفضحنا يوم المحشر على رءوس الأشهاد { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد } . أى أنك - سبحانك - لا تخلف وعدك الذى وعدته لعبادك الصالحين .

فهم قد جعلوا هذا الدعاء وهو طلب الثواب الجزيل يوم القيامة ، ختاما لدعواتهم ، لشعورهم بهفواتهم وبتقصيرهم أمام فضل الله ونعمه .

والمراد بقولهم { مَا وَعَدتَّنَا } الثواب والعطاء الكائن منه - سبحانه - و " ما " موصولة أى آتنا الذى وعدتنا به أو وعدتنا إياه .

وقوله { على رُسُلِكَ } فيه مضاف محذوف أى آتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من ثواب . أو آتنا ما وعدتنا على تصديق رسلك والإيمان بهم من جزاء حسن .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد ؟ .

قلت : معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد ، أو هو من باب الملجأ إلى الله والخضوع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، " يستغفرون مع علمهم بأنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك التذلل لربهم ، والتضرع إليه ، والملجأ الذى هو سيما العبودية " .

تلك هى الدعوات الخاشعات التى حكاها - سبحانه - عن أصحاب العقول السليمة ، وهم يتضرعون بها إلى خالقهم - عز وجل - فماذا كانت نتيجتها ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَىَ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .

إن قال لنا قائل : وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم ، وقد علموا أن الله منجز وعده ، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد ؟ قيل : اختلف في ذلك أهل البحث ، فقال بعضهم : ذلك قول خرج مخرج المسألة ، ومعناه الخبر ، قالوا : وإنما تأويل الكلام : ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ، وكفر عنا سيئاتنا ، وتوفنا مع الأبرار ، لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك ، ولا تخزنا يوم القيامة ، قالوا : وليس ذلك على أنهم قالوا : إن توفيتنا مع الأبرار فانجز لنا ما وعدتنا لأنهم قد علموا أن الله لا يخلف الميعاد ، وأن ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدعاء ، ولكنه تفضل بإيتائه ، ثم ينجزه .

وقال آخرون : بل ذلك قول من قائله على معنى المسألة والدعاء لله ، بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله ، لا أنهم كانوا قد استحقوا منزلة الكرامة عند الله في أنفسهم ، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم ، فيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخلف وعده ، قالوا : ولو كان القوم إنما سألوا ربهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار ، لكانوا قد زكوا أنفسهم ، وشهدوا لها أنها ممن قد استوجب كرامة الله وثوابه ، قالوا : وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين .

وقال آخرون : بل قالوا هذا القول على وجه المسألة ، والرغبة منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر ، والظفر بهم ، وإعلاء كلمة الحق على الباطل ، فيعجل ذلك لهم ، قالوا : ومحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به كانوا على غير يقين من أن الله لا يخلف الميعاد ، فيرغبوا إلى الله جل ثناؤه في ذلك ، ولكنهم كانوا وعدوا النصر ، ولم يوقت لهم في تعجيل ذلك لهم ، لما في تعجله من سرور الظفر وراحة الجسد .

والذي هو أولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي : أن هذه الصفة ، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره ، مفارقا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله ، وغيرهم من تباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم ، فقالوا : ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك عليهم عاجلاً ، فإنك لا تخلف الميعاد ، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم ، فعجل حربهم ، ولنا الظفر عليهم . يدل على صحة ذلك آخر الاَية الأخرى ، وهو قوله : { فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أنّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا في سَبِيلي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا } . . . الاَيات بعدها . وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيت قولهم في شيء ، وذلك أنه غير موجود في كلام العرب أن يقال : افعل بنا يا رب كذا وكذا ، بمعنى : افعل بنا لكذا الذي ولو جاز ذلك ، لجاز أن يقول القائل لاَخر : أقبل إليّ وكلمني ، بمعنى : أقبل إليّ لتكلمني ، وذلك غير موجود في الكلام ، ولا معروف جوازه ، وكذلك أيضا غير معروف في الكلام : آتنا ما وعدتنا ، بمعنى : اجعلنا ممن آتيته ذلك وإن كان كلّ من أعطى شيئا سنيا فقد صير نظيرا لمن كان مثله في المعنى الذي أعطيه ، ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك ، وإن كان قد يؤول معناه إليه .

فتأويل الكلام إذًا : ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك أنك تعلى كلمتك كلمة الحق ، بتأييدنا على من كفر بك وحادّك وعبد غيرك ، وعجّل لنا ذلك ، فإنا قد علمنا أنك لا تخلف ميعادك ، ولا تخزنا يوم القيامة ، فتفضحنا بذنوبنا التي سلكت منا ، ولكن كفّرها عنا واغفرها لنا . وقد :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { رَبّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا على رُسُلِكَ } قال : يستنجز موعود الله على رسله .