تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

ثم قال : وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي : أي شيء يمنعهم من عذاب اللّه ، وقد فعلوا ما يوجب ذلك ، وهو صد الناس عن المسجد الحرام ، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، الذين هم أولى به منهم ، ولهذا قال : وَمَا كَانُوا أي : المشركون أَوْلِيَاءَهُ يحتمل أن الضمير يعود إلى اللّه ، أي : أولياء اللّه . ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام ، أي : وما كانوا أولى به من غيرهم . إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وهم الذين آمنوا باللّه ورسوله ، وأفردوا اللّه بالتوحيد والعبادة ، وأخلصوا له الدين . وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ فلذلك ادَّعَوْا لأنفسهم أمرا غيرهم أولى به .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

ثم بين - سبحانه - بعض الجرائم التي ارتكبها المشركون ، والتي تجعلهم مستحقين لعذاب الله ، فقال - تعالى - : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

والمعنى : وأى شئ يمنع من عذاب مشركى قريش بعد خروجك - يا محمد - وخروج المؤمنين المستضعفين من بين أظهرهم ؟ إنه لا مانع أبدا من وقوع العذاب عليهم وقد وجد مقتضيه منهم ، حيث اجترحوا من المنكرات والسيئات ما يجعلهم مستحقين للعقاب الشديد .

فالاستفهام في قوله { وَمَا لَهُمْ . . } إنكارى بمعنى النفى . أى : لا مانع من تعذيب اله لهم وقوله { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام } جملة حالية مبينة لجريمة من جرائمهم الشنيعة ، أى : لا مانع يمنع من تعذيبهم : وكيف لا يعذبهم وحالهم أنهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالمسجد الحرام ، ومن زيارته . ومن مباشرة عباداتهم عنده . . ؟ إنهم لا بد أن يعذبوا على هذه الجرائم .

ولقد أوقع الله بهم عذابه في الدنيا : ومن ذلك ما حدث لهم يوم بدر من قتل صناديدهم ومن أسر وجهائهم .

وأما عذابهم في الآخرة فهو أشد وأبقى من عذابهم في الدنيا .

وقوله : { وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ } رد على ما كانوا يقولونه بالباطل : نحن ولاة البيت الحرام ، فلنا أن نصد من نشاء عن دخوله ، ولنا أن نبيح لمن نشاء دخوله .

أى : إن هؤلاء المشركين ما كانوا في يوم من الأيام أهلا لولاية البيت الحرام بسبب شركهم وعداوتهم - لله تعالى - رب هذا البيت .

وقوله { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان للمستحقين لولاية البيت الحرام ، بعد نفيها عن المشركين .

أى : إن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا لولاية البيت الحرام ، وليسوا أهلا لأن يكونوا أولياء لله - تعالى - بسبب كفرهم وجحودهم ، وإنما المستحقون لذلك هم المتقون الذين صانوا أنفسهم عن الكفر وعن الشرك وعن كل ما يغضب الله ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون ذلك بسبب جهلهم وتماديهم في الجحود والضلال .

وقد جاءت جملة { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون } مؤكدة بأقوى ألوان التأكيد ، لنفى كل ولاية على البيت الحرام سوى ولا يتهم هم .

ونفى - سبحانه - العلم عن أكثر المشركين ، لأن قلة منهم كانت تعلم أنه لا ولاية لها على المسجد الحرام ولكنها كانت تجحد ذلك عناداً وغروراً . أو أن المراد بالأكثر الكل ، لأن للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام ، كما أن الأقل قد لا يعتبر فينزل منزلة العدم .