بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً } الأمنة في اللغة الأمن . قال الكلبي : إذا أَمِنَ القوم نعسوا . وقال الضحاك : النعاس عند القتال أَمَنَةٌ من الله تعالى . ويقال : الذي يصيبه الغم والهزيمة لا يكون له شيء أحسن من النعاس ، فيذهب عنه همه ، فأصاب القومَ النعاسُ فذهب عنهم الغم وأمنوا . قوله تعالى : { يغشى طَائِفَةً مّنْكُمْ } يعني النعاسَ يغشى ويعلو { طائفة منكم } من كان من أهل الصدق واليقين . قرأ حمزة والكسائي : { تغشى } بالتاء . وقرأ الباقون بالياء . فمن قرأ بالتاء انصرف إلى قوله أمنة ، ومن قرأ بالياء يكون نعتاً للنعاس .

ثم قال : { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني أهل النفاق . وقال الكلبي : هو معتب بن قُشَيْر وأصحابه { يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق } يعني : أنهم يظنون أن لن ينصر الله محمداً وأصحابه { ظَنَّ الجاهلية } قال الكلبي : يعني كظنهم في الجاهلية . وقال مقاتل : ظن الجاهلية كظن الجهال المشركين ، مثل أبي سفيان وأصحابه { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شيء } يعني : النصرة والفتح { قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ } يعني النصرة والغنيمة كله من الله { يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم } أي يُسِرُّونَ في أنفسهم { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } أي يقولون ما لا يظهرون لك { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شيء مَّا قُتِلْنَا } أي يقولون لو كان ديننا حقاً ما قتلنا { ها هنا } قال الكلبي : وفي الآية تقديم وتأخير ، ومعناه يقولون : هل لنا من الأمر من شيء ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا { مِن شيء قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ } وقال الضحاك : { قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ } يعني القدر خيره وشره من الله . قرأ أبو عمرو : { قل إِنَّ الأَمْرَ كُلّه لله } بضم اللام ، والباقون بالنصب . فمن قرأ بالرفع جعله اسماً مستأنفاً ، ومن نصب جعله نعتاً للأمر .

ثم قال تعالى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ في بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ } يقول : لظهر . ويقال : لخرج { الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل } أي قُضِيَ عَلَيهم القتل { إلى مَضَاجِعِهِمْ } أي إلى مواضع مصارعهم . معناه : أنهم وإن لم يخرجوا إلى العدو وقد قضى الله عليهم بالقتل ، لخرجوا إلى مواضع قتلهم لا محالة ، حتى ينفذ فيهم القضاء . قال تعالى : { وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا في صُدُورِكُمْ } يعني ليختبر ويظهر ما في قلوبكم { وَلِيُمَحّصَ } يعني : ليظهر ويكفر { مَا في قُلُوبِكُمْ } من الذنوب { والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } يعني : بما في القلوب من الخير والشر .