بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (161)

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لنبي أَنْ يَغُلَّ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : { يَغُل } بنصب الياء . وقرأ الباقون : يُغَل بضم الياء ونصب الغين . فمن قرأ بالنصب معناه : وما كان لنبي أن يخون في الغنيمة ، ومن قرأ بالضم فمعناه : لا ينسب إلى الغلول . وذلك أنه لما كان يوم أحد أخذوا في النهب والغارة وتركوا القتال ، وخافوا أن تفوتهم الغنيمة ، وظنوا أن من أخذ شيئاً يكون له ، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقسم لهم ، فنزلت هذه الآية : { وَمَا كَانَ لنبي أَنْ يَغُلَّ } يقول : ما جاز لنبيّ أن يخون في الغنيمة ، وما جاز لأصحابه أن ينسبوه إلى الخيانة { وَمَن يَغْلُلْ } أي يخن في الغنيمة { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } يعني يحمله على ظهره . وهذا كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لأَعرِفَنّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْتِي عَلَى عُنقِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ : لاَ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله شَيْئاً » يريد أن من غل شاة أو بقرة ، أتى بها يوم القيامة يحملها . ويقال : من غلّ شيئاً في الدنيا ، يمثل له يوم القيامة في النار ، ثم يقال له : انزل إليه فَخُذْه ، فيهبط إليه فإذا انتهى إليه حمله ، فكلما انتهى به إلى الباب سقط منه إلى أسفل جهنم ، فيرجع فيأخذه فلا يزال كذلك ما شاء الله . ويقال : { يَأْتِ بِمَا غَلَّ } يعني تشهد عليه يوم القيامة تلك الخيانة والغلول ، ويقال هذا على سبيل التمثيل { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة } أي بوباله ، فيكون وباله على عنقه كما قال في آية أخرى : { قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بلقاء الله حتى إِذَا جاءتهم الساعة بَغْتَةً قَالُواْ يا حسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ أَلاَ ساء مَا يَزِرُونَ } [ الأنعام : 31 ] .

ثم قال تعالى : { ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ } أي توفى وتجازى كل نفس { مَّا عَمِلَتْ } من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً