بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (47)

{ قَالَتْ } مريم { رَبّ أنى يَكُونُ لي وَلَدٌ } يعني من أين يكون لي ولد { وَلَمْ يمسسني بَشَرٌ } وهو كناية عن الجماع ف { قَالَ } جبريل { كذلك } يعني هكذا كما قلت أنه لم يمسسك بشر ولكن { الله يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا } يعني إذا أراد أن يخلق خَلْقاً { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فنفخ جبريل في جيبها ، يعني في نفسها قال بعضهم : وقع نفخ جبريل في رحمها ، فعلقت بذلك . وقال بعضهم : لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل ، لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة ، وبعضه من الإنس ، ولكن سبب ذلك أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام وأخذ الميثاق من ذريته ، فجعل بعضهم في أصلاب الآباء ، وبعضهم في أرحام الأمهات ، فإذا اجتمع الماءان صار ولداً ، وإن الله تعالى جعل المَاءَيْن جميعاً في مريم ، بعضه في رحمها ، وبعضه في صلبها ، فنفخ فيها جبريل لتهيج شهوتها ، لأن المرأة ما لم تهج شهوتها ، لا تحبل ، فلما هاجت شهوتها بنفخة جبريل ، وقع الماء الذي كان في صلبها في رحمها ، فاختلط الماءان فعلقت بذلك ، فذلك قوله : { إِذَا قَضَى أَمْرًا } ، يعني إذا أراد أن يخلق خلقاً سبحانه ، { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } بغير أب .