بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

{ فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر } قال الكلبي : فلما عرف منهم الكفر بالله . ويقال : فلما سمع منهم كلمة الكفر . وقال الزجاج : أحس في اللغة علم ، ووجد . ويقال هل أحسست الخبر ؟ أي هل عرفته وعلمته ؟ .

وقال مقاتل : فلما رأى من بني إسرائيل الكفر . كقوله عز وجل : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

[ مريم : 98 ] يعني هل ترى ؟ ويقال : إنه لما علم عيسى أنهم أرادوا قتله { قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله } يقول : من أعواني مع الله ؟ قال القتبي : إلى هاهنا بمعنى مع مثل قوله ، { وَآتُواْ اليتامى أموالهم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب وَلاَ تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ، أي مع أموالكم ، كما يقال : الذود إلى الذود إبل ، أي مع الذود . فقال : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله } ؟ أي مع الله { قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله } قال الكلبي : الحواريون هم أصفياء عيسى عليه السلام وكانوا اثني عشر رجلاً . وقال مقاتل : كانوا قَصَّارين ، فمر بهم عيسى عليه السلام وقال : من أنصاري إلى الله ؟ { قالوا نحن أنصار الله } . ويقال : إنه مر بهم ، وهم يغسلون الثياب . فقال لهم : إيش تصنعون قالوا : نطهر الثياب . فقال : ألا أدلكم بطهارة أنفع من هذا ؟ قالوا : نعم . فقال : تَعَالَوْا حتى نطهرَ أنفسنا من الذنوب ، فبايعوه . ويقال : إنهم كانوا صيادين ، فمرَّ بهم . وقال : ألا أدلُّكم على اصطياد أنفعَ لكم من هذا ؟ قالوا : نعم . فقال : تَعَالَوْا حتى نصطاد أنفسنا من شر إبليس ، فبايعوه . وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : إنما سُمُّوا حواريين لبياض ثيابهم ، وكانوا صيّادين .

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوارِيَّ من أُمَّتِي » ، يعني به الخالص ، فهذا يكون دليلاً لقول الكلبي : إنهم خواصه وأصفياؤه ، ومعنى آخر { نحن أنصار الله } ، يعني أنصار دين الله { آمنا بالله } أي صدقنا بتوحيد الله { واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } يعني أشهدنا ، على ذلك ، فاشهد يا عيسى بأنا مسلمون ثم قالوا : { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ } .