بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

ثم قال تعالى :

{ والمحصنات مِنَ النساء } قال في رواية الكلبي وفي رواية الضحاك ، يعني ذوات الأزواج حرام عليكم { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم } من سبايا ، فإذا ملك الرجل امرأة لها زوج في دار الحرب واستبرأ رحمها بحيضة ، فهي حلال له . وهذا موافق لما روي عن أبي سعيد الخدري أن المسلمين أصابوا يوم أوطاس سبايا لهن أزواج من المشركين ، فتأثم المسلمون منهن وقالوا : لهن أزواج ، فأنزل الله تعالى { والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم } يقول : ما أفاء الله عليكم من ذلك ، وإن كان لهن أزواج من المشركين ، فلا بأس بأن يأتيها الرجل إذا استبرأ رحمها . وقال في رواية مقاتل : { والمحصنات مِنَ النساء } يعني كل امرأة ليست تحتكم ، فهي حرام عليكم . ثم استثنى من المحصنات فقال : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم } يعني إلا ما قد تزوجتم من النساء مثنى وثلاث ورباع . قوله : { كتاب الله عَلَيْكُمْ } أي هذا ما حرم عليكم في الكتاب ، ويقال : { كتاب الله عَلَيْكُمْ } معناه : هذا الذي يقرأ عليكم هو كتاب الله تعالى ، فاتبعوه ولا تخالفوه . وقال الزجاج : { كتاب الله عَلَيْكُمْ } منصوب على التأكيد ، محمول على المعنى ، لأن معناه { حرمت عليكم أمهاتكم } كتب الله عليكم هذا كتاباً . ويجوز أن يكون منصوباً على جهة الأمر ، كأنه قال : الزموا كتاب الله فيكون { عليكم } مفسراً له . ثم قال تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } يقول : رخص لكم ما سوى ذلكم ، فالله تعالى قد ذكر ما حرم في هذه الآية من قوله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } أربع عشرة من المحرمات ، سبع بالنسب وسبع بالسبب .

ثم بيّن المحللات فقال : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } يعني ما سوى هذه الأربع عشرة التي ذكر في هذه الآية ، فلو كان الأمر على ظاهر هذه الآية ، لكان يجوز ما سوى ذلك ؛ إلا أنه قد جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ » وقال : « لا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِها » فوجب إتباعه لأن الله تعالى قال : { ما أفاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كَي لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ وَمَآ آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب } [ الحشر : 7 ] . قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص : { وَأُحِلَّ لَكُمْ } بضم الألف وقرأ الباقون بالنصب ، فمن قرأ بالضم لأنه عطف على قوله { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ } . ومن قرأ بالنصب لأنه نسق على قوله { كتاب الله عَلَيْكُمْ } .

ثم قال تعالى : { أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم } يعني أن تتزوجوا بأموالكم ، ويقال : تشتروا بأموالكم الجواري { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين } يقول : كونوا متعففين من الزنى غير زانين { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ } قال مقاتل : يعني به المتعة ، أي فما استمتعتم منهن إلى أجل مسمى { فآتوهن أجورهن } أي أعطوهن ما شرطتم لهن من المال ؛ وإنما كانت إباحة المتعة في بعض المغازي ، ثم نهي عن ذلك . وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { فما استمتعتم به منهن } إلى أجل مسمى . وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : إنما رخص في المتعة في بعض المغازي ، ثم نسختها آية الطلاق والميراث والعدة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ } قال النكاح { فآتوهن أجورهن } ، يعني مهورهن . وقال في رواية الكلبي : { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ } بعد النكاح فآتوهن أجورهن ، أي مهورهن { فَرِيضَةً } لهن عليكم . وقال الضحاك : { فما استمتعتم به منهن } أي فما تزوجتم بهن فأعطوهن مهورهن { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة } قال بعضهم : يعني المتعة قبل أن تنسخ ، أجاز لهما أن يتراضيا على زيادة الأجل والمال . وقال بعضهم : يعني المهر ، لا جناح على الزوجين أن يتراضيا بعد النكاح على زيادة المهر { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً } فيما رخّص لكم من نكاح الأجانب { حَكِيماً } فيما حرم عليكم من ذوات المحارم .