بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ} (49)

ثم قال : { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله } وذلك أن يهود بني النضير قالوا فيما بينهم : اذهبوا بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه . وإنما هو بشر فأتَوْه . فقالوا : يا محمد إنك قد عرفت أنّا أحبار اليهود ، وأشرافهم ، وسادتهم ، وأنّا إن اتبعناك اتبعك اليهود ، ولن يخالفونا . وإنّ بيننا وبين قومنا خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، فنؤمن بك ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . فنزلت هذه الآية { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله } يعني : اقضِ بينهم بما في القرآن ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } في الحكم ، { واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ } يعني : يصرفوك ، { عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ الله إِلَيْكَ } .

وقال في رواية الضحاك : تزوج مجوسي ابنته ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبت نفقتها ، فأمر الله تعالى رسوله أن يفرق بينهما بقوله : { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله } . وقال في رواية الكلبي : طلبوا منه بأن يحكم بينهم في الدماء على ما كانوا عليه في الجاهلية فنزل { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ } . قال القتبي : أصل الفتنة الاختبار . ثم يستعمل في أشياء يستعمل في التعذيب كقوله : { إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق } [ البروج : 10 ] ، وكقوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] وتكون الفتنة الشرك ، كقوله : { وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ فَإِنِ انتهوا فَلاَ عدوان إِلاَّ عَلَى الظالمين } [ البقرة : 193 ] وتكون الفتنة العبرة ، كقوله : { فَقَالُواْ على الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين } [ يونس : 85 ] وتكون الفتنة الصد عن السبيل ، كقوله : { واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ الله إِلَيْكَ } .

ثم قال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني : أبَوْا أن يرضوا بحكمك ، { فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } يعني : يعذبهم في الدنيا . قال الكلبي : يعني : بالجلاء إلى الشام ، والإخراج من دورهم . وقال الضحاك : يعني : يريد الله أن يأمر بهم إلى النار بذنوبهم .

ثم قال { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الناس } يعني : رؤساء اليهود ، { لفاسقون } يعني : لكافرون . والفاسق هو الذي يخرج عن الطاعة .