غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ} (49)

48

{ وأن احكم } قيل معطوف على { الكتاب } أي وأنزلنا إليك أن احكم على أن " أن " المصدرية وصلت بالأمر لأنه فعل كسائر الأفعال ، أو على قوله : { بالحق } أي أنزلناه بالحق وبأن احكم . وأقول : يحتمل أن تكون " أن " مفسرة وفعل الأمر محذوف أي وأمرناك أن احكم . وتكرار الأمر بالحكم إما للتأكيد وإما لأنهما حكمان لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصنين ثم احتكموا في قتل كان بينهم . وزعم بعض الأئمة أن هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله : { فاحكم بينهم أو أعرض } وعن ابن عباس أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشماس بن قيس من أحبار اليهود قالوا : اذهبوا بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه . فأتوه فقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل فيهم : { واحذرهم أن يفتنوك } محله نصب على أنه مفعول له أي مخافة أن يفتنوك ، أو على أنه بدل اشتمال من مفعول احذر . والمراد بالفتنة رده إلى أهوائهم فكل من صرف من الحق إلى الباطل فقد فتن . قال بعض أهل العلم : في الآية دليل على أن الخطأ والنسيان جائزان على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن التعمد في مثل هذا غير جائز فلم يبق إلاّ الخطأ والنسيان فلو لم يكونا جائزين أيضاً لم يكن للحذر فائدة ، { فإن تولوا } عن الحكم المنزل أي فإن لم يقبلوا حكمك { فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم } أما الإصابة فالمراد بها قتلهم وإجلاؤهم ، وأما ذكر بعض الذنوب فلأن مجازاتهم ببعض الذنوب كافية في إهلاكهم وتدميرهم ، أو أراد بالبعض ذنب التولي عن حكم الله .

وفيه أن لهم ذنوباً جمة وأن هذا الذنب عظيم جداً كقول لبيد :

تراك أمكنة إذا لم أرضها *** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

أراد نفسه وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام فكأنه قال نفساً كبيرة لأن التنكير في معنى البعضية أيضاً . { لفاسقون } لمتمردون في الكفر . وفيه أن التولي عن حكم الله فسق مؤكد جداً .

/خ58